“الهرب أو البقاء؟”

بقلم جون بُنيان

مقدمة قصيرة عن حياته

في عام 1660، بعد سنة من زواجه، أخذ جون بنيان كلمة بأنه إذا وعظ في ذلك اليوم فإن الشرطة ستأتي وتعتقله. فتوتر؛ إذ لو هرب، وهو الواعظ، فكيف سيتوقع يوماً من الشعب الذين يرعاهم أن يحتملوا الألم لأجل الإنجيل. فوعظ وتم اعتقاله وسجنه. وأمضى السنوات الاثنتي عشرة والنصف التالية في السجن.

في سبيل إطلاق سراحه، ما كان على جون بنيان إلا أن يعِد بألا يعظ ثانية. لكنه رد على هذا بقوله: “سوف أبقى في السجن إلى أن تنمو الطحالب على حاجبي على أن أنسلخ عن مبادئي.”

أُطلق سراحه في سنة 1672 ليعود مباشرة إلى الوعظ بالإنجيل. بعد ثلاث سنوات فقط من إطلاق سراحه تم القبض عليه ثانية بسبب الوعظ.

أضفتُ هذه المقدمة القصيرة جداً لهذا المقال لكي يعرف القارئ أن جون بنيان لم يكن غريباً عن الألم من أجل الإنجيل. أتوسل إلى القارئ أن يقرأ النصيحة الأبوية اللطيفة التالية للمسيحيين المضطهدين مبقياً سجن بنيان في ذهنه.

نصيحة للمسيحيين المضطهدين

“ألا يُسمح لنا بالهرب في وقت الاضطهاد؟ إصراركم علينا بأن الله أمر بالاضطهاد وأداره يجعلنا نخاف الهرب.”

أولاً، بالنظر إلى الدعوة للألم، يمكنك فعل ما تشعر به في قلبك. إذا شعرت في قلبك بضرورة الهرب، فاهرب. وإذا شعرت في قلبك بوجوب الثبات، فاثبت. أي شيء إلا إنكار الحق. ذاك الذي يهرب لديه سبب وجيه للهروب، وذاك الذي يثبت فلديه سبب وجيه للثبات.

نعم، نفس الشخص قد يهرب ويثبت بحسب دعوة وعمل الله في قلبه. فموسى هرب (خروج 2: 15) وموسى ثبت (عبرانيين 11: 27). هرب داود (1صموئيل 19: 12) وثبت (24: 8). هرب إرميا (إرميا 37: 11-12) وثبت (38: 17). انسحب المسيح (لوقا 9: 10) وثبت (يوحنا 18: 1-8). كما هرب بولس (2كورنثوس 11: 33) وثبت (أعمال الرسل 20: 22-23).

وهكذا، هناك بضعة قواعد عندما تتعرض للاضطهاد. الشخص نفسه هو أفضل مَن يحكم في قوته الكامنة وقيمة هذا الموقف أو ذاك في قلبه: أن يثبت أو يهرب. أتردد كثيراً لافتراض أي شيء بشأن أي شخص يتعرض لألم الاضطهاد؛ وإنما، إذا هربت، فانتبه لهذه الأمور:

(1) لا تهرب بسبب عبودية الخوف وإنما لأنك تشعر بأن الهروب هو فعل طاعة لله. في هذه الحالة، وبعناية الله، تم فتح باب الهروب، لذا فالهروب مقبول بحسب كلمة الله (متى 10: 23).

(2) عندما تهرب، افعل الخير بقدر استطاعتك في المكان الذي وجدت نفسك فيه (أعمال الرسل 8: 1-5)

(3) هل تعتبر نفسك قد صرت آمناً عندما هربت، كانت عناية الله التي فتحت الباب وكلمته هي التي دعتك للهروب، لكن إلى أين ولماذا فهذا ما لا تعرفه بعد. هرب أوريا النبي إلى مصر لوجود مَن يستقبله ليعود ثانية إلى أورشليم ليموت فيها (أرميا 26: 21).

(4) إذا هربت من مكان، وقُبض عليك في مكان آخر، فأقصى ما يمكن استخلاصه من هروبك في المكان الأول هو هذا: لقد كنت مستعداً لتسليم نفسك في رعاية لله، وكونك قد قُبض عليك الآن جعل الدعوة لأن تتألم في المكان الذي أنت فيه جلية واضحة.

(5) إذا قُبض عليك بعد هروبك، لا تغضب من الله أو الإنسان: لا تغضب من الله لأنك خادمه؛ وحياتك وكل ما لديك هو ملكه. ولا تغضب من الإنسان؛ لأنه ليس إلا أداة في يد الله، وهو مأمور لفعل هذا لخيرك.

هل هربت؟ اضحك. هل قُبض عليك؟ اضحك. أقصد، كن فرحاً أياً كان مسار الأمور. تذكر أن الموازين لا تزال في يد الله.

(6) لكن! لا تهرب أبداً من إيمانك. لا تهرب لمجرد أسباب اقتصادية. لا تهرب أبداً لإرضاء رغباتك. فهذه دوافع خاطئة للهرب ولن تمنحك السلام أو الربح لنفسك، لا الآن ولا عند موتك ولا عند وقوفك أمام الله يوم الدينونة.

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8