من كان التلاميذ الاثني عشر؟

ثُمَّ دَعَا إِلَيْهِ تَلامِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانَاً عَلَى الأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ لِيَطْرُدُوهَا وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَعِلَّةٍ. وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الِاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً: سِمْعَانُ الَّذِي دُعِيَ بُطْرُسَ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ؛ فِيلِبُّسُ، وَبَرْثُلْمَاوُسُ؛ تُومَا، وَمَتَّى جَابِي الضَّرَائِبِ؛ يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَتَدَّاوُسُ؛ سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ؛ وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي خَانَهُ. – إنجيل متى 10: 1-4

لو كنت سأتخيُّل يوماً خطة الله لإنقاذ العالم من لعنة الموت وتمرد البشر وقوى الشيطان ولجذب كل البشر إليه، لكانت مختلفةً تمام الاختلاف عما فعله الله فعلاً. كنت لربما تخيلت أن يجسِّد الله كلمته الأزلية في عائلة لها ثقلها في مدينة ذات أهمية. ومن ثم، بعد أن ينشأ أفضل تنشئة ويحصل على أفضل تعليم، فإن المخلِّص سيختار أناساً ذوي نفوذ ليكونوا أتباعاً له. كأن يختار الأباطرة والملوك ورؤساء الجيش. وكان ليُدخل في دائرته الداخلية أناساً من أصحاب السلطة والمكانة والغِنى. وكان ليستخدم أولئك الناس الأقوياء المهمين لنشر ديانته وتحقيق أهدافه.

لكن الله لم يفعل شيئاً من هذا على الإطلاق.

فعندما اختار الله إنقاذ العالم، جسّد كلمته الأزلية في عائلة فقيرة في قرية مغمورة في أمة ضعيفة واقعة تحت احتلال روما العسكري. وعندما اختار يسوع المسيح، كلمة الله المتجسِّدة، أتباعه، اختار اثني عشر رجلاً عادياً ليكونوا تلاميذاً له.

بدأ يسوع المسيح خدمته في سن الثلاثين إذ علّم وشفى الناس طوال ثلاث سنوات. لم يكتب كلمة واحدة قط، ولم يستلم أي منصب أو نفوذ، ولم يغادر قط منطقته الجغرافية الصغيرة. فقد ائتمن يسوع المسيح تلاميذه الاثني عشر لنشر رسالة الإنجيل وبناء الكنيسة وتوسيع ملكوت الله.

شكّل اختيار يسوع المسيح للاثني عشر رجلاً هؤلاء واحداً من أكثر الأفعال أهمية في التاريخ. فمن خلال الاثني عشر رجلاً هؤلاء، انتقل الإنجيل من اليهودية إلى أقاصي الأرض. هؤلاء كانوا الرجال الذين استخدمهم الله لكتابة الإنجيل وشفاء المرضى وزرع الكنائس وتحمُّل الاضطهاد والاستشهاد لكي يجعلوا يسوع المسيح المخلِّص معروفاً في العالم أسره.

مَن كان هؤلاء الرجال؟

لم يحدث أبداً أن كان الكثيرون مدينين بالكثير جداً لقلة قليلة جداً.”

أولاً، من المهم أن نلاحظ أن يسوع المسيح اختار 12 رجلاً. شعب الله القديم انحدروا من أسباط (قبائل) إسرائيل الاثنتي عشر، والآن كنيسة المسيح، هذه الأمة السماوية الجديدة سوف تنحدر من التلاميذ الاثني عشر. ومنهم، سيجمع الله اليهود والأمم معاً للمرة الأولى، هادماً كل جدران العداوة التي بينهم.

في بداية خدمته، دعا يسوع المسيح اثني عشر رجلاً ليكونوا تلاميذاً له. التلميذ هو طالبٌ أو متعلِّمٌ يتبع معلِّمَه أينما ذهب ليتعلم منه. لم يدعُ يسوع المسيح اثنا عشر رجلاً استثنائياً، بل دعا اثنتا عشر رجلٍ عاديٍّ جداً. كان غالبيتهم من الجليل، منطقة ريفية تقع في شمال إسرائيل. تم اختيار هؤلاء الرجال الاثني عشر ودعوتهم من قِبَل الرب يسوع نفسه. لم يكن هؤلاء الرجال من النخبة، ولم ينحدروا من عائلات نبيلة، ولم يكونوا من أصحاب العِلم، كما لم يكونوا أصحاب سلطة أو مؤثرين. لقد كانوا أناسا عاديين.

نعرف الكثير نسبياً عن نصف الاثني عشر ولا شيء تقريباً عن البقية.

الصيادون

بُطْرُس وأَنْدَراوُس

من الصيادين، لدينا أولاً بطرس، المدعو سِمعان، وأخيه أنْدَراوُس. كانا صيادَين في بحر الجليل عندما دعاهما الرب يسوع. أصبح بطرس القائد الفعلي للاثني عشر خلال حياة الرب يسوع وكان شخصية مؤثرة في الكنيسة الأولى. كتب رسالتين تضمنتا نصوصاً كتابية، تحملان اسمه، وقد استُشهد بأن صُلِب مقلوباً في روما. أما أندَراوس فلا يُعرَف الكثير عنه، إذ بدا وكأنه يؤدي دوره وراء الكواليس.  لم يكن أندَراوُس من الثلاثة الذين شكّلوا الدائرة المقربة من الرب يسوع مثل بطرس. استشهد أندَراوُس بأن صُلِب على صليب مائل بشكل X بالقرب من أثينا.

يعقوب ويوحَنّا

كان يعقوب وأخوه يوحَنّا ابني زَبَدي، صياداً ثرياً في بحر الجليل. دعاهما الرب يسوع بعد أن دعا بطرس وأندَراوُس. كان أربعتهم قد عملوا معاً في الصيد قبل أن يتلقوا الدعوة. كان يعقوب أول من استشهد من الاثني عشر بسبب إيمانه؛ إذ قُطِع رأسه على يد هيرودس. أما يوحنا فقد أًصبح معروفاً بأنه رسول المحبة وكتب من العهد الجديد أكثر من أيٍّ من التلاميذ الآخرين: إنجيل يوحنا، رسائل يوحنا الثلاث، وسفر الرؤيا. يوحنا هو التلميذ الوحيد الذي لم يستشهد بل مات في سن التسعين في أفسس.

توما، التوأم

كان توما أيضاً صياداً من الجليل. وكان توما مشهوراً بشكّه بقيامة الرب يسوع من بين الأموات بعد أن شَهِد التلاميذ الآخرون بظهور الرب يسوع لهم. وبالرغم من أن توما كان ساخراً أحياناً وناقداً إلا أنه كان يتمتع برغبة عميقة لاتباع الرب يسوع حتى للموت. حمل توما بشارة الإنجيل إلى الهند واستشهد هناك بضربة رُمح.

نَثْنائيل

كان نَثنائيل المعروف أيضاً باسم بَرْثولَماوس أيضاً صياداً من الجليل. بعد سماعه أن الرب يسوع قد يكون المسيح الذي طال انتظاره قال عبارته المشهورة: “وَهَلْ يَطْلُعُ مِنَ النَّاصِرَةِ شَيْءٌ صَالِحٌ؟“ (يوحنا 1:46). كان نثنائيل شخصاً متدنياً ومتمسكاً بالأخلاق قبل لقائه بيسوع المسيح، ومنذ اللحظة الأولى التي رأى فيها الرب يسوع عرف أنه كان المسيح. التقى نثنائيل بالرب يسوع من خلال صديقه فيلِبُّس. استشهد نَثنائيل غرقاً بعد أن وَضِعَ مقيداً في كيس ورُمي في البحر.

فيلِبُّس

كان فيلِبُّس أيضاً صياداً من الجليل وهو أول من حمل لقب “تلميذ” ليسوع المسيح. وجده الرب يسوع وقال له: “اتبعني“. لم يتبع فيلِبُّس الرب يسوع ذلك اليوم فحسب بل أحضر صديقه نَثنائيل أيضاً. بعد 18 عاماً من قيامة يسوع المسيح استُشهِد فيلبُّس لكرازته بالإنجيل؛ إذ ضُرِب بوحشية ومن ثم صُلِب في فريجيّة الواقعة في غرب تركيا.

الثائر

سِمعان

كان سِمعان يُدعى الغَيور، وقبل أن يدعوه الرب يسوع كان عضواً في المقاومة المسلَّحة لتخليص مسقط رأس اليهود من الاحتلال الروماني. لا يمكننا سوى تصوُّر كيف غيّرت تعاليم الرب يسوع حياته بالكامل ليحب أعداءه وأن يبارك مضطهديه. صُلِب سِمعان لكرازته بالإنجيل في بريطانيا.

جابي (مُحَصِّل) الضرائب

مَتَّى

كان مَتّى النقيض الفكري لسِمعان. فقد اعتقد مَتّى أن بإمكانه إحراز دخلٍ مُربِحٍ من العمل مع حكومة الاحتلال الروماني. كانت وظيفة مَتّى قبل اتباعه ليسوع المسيح هي جباية الضرائب من اليهود وتسليم الأموال إلى المحتلين. كان جباة الضرائب يُعتبرون خونة لله والأمة اليهودية. إلا أن الرب يسوع اختار شخصياً مَتّى ليكون واحداً من تلاميذه. فترك مَتّى كل شيء وتبع  الرب يسوع. كتب مَتّى الإنجيل الذي يحمل اسمه. حُرِق مَتّى على وتد لكرازته بإنجيل يسوع المسيح الذي كتب عنه.

مِهَن غير معروفة

يعقوب، ابن حلفى

بالكاد نعرف شيئاً عن يعقوب بن حلفى. لقد دعاه الرب يسوع، فتبعه بأمانة حتى مماته. نعرف من التقليد أنه استشهد في الرابعة والتسعين من عمره على يد جماعة غاضبة من اليهود الذين ضربوه حتى الموت لكرازته بالإنجيل.

تَدَّاوُس (يهوذا، ليس الاِسْخَريوطي)

لا يُعرَف شيء على وجه الدقة عن تَدَّاوُس. فكل ما نعرفه أن الرب يسوع دعاه ليكون واحداً من التلاميذ الاثني عشر. بحسب التقليد، زرع تَدَّاوس كنائس في بيروت وسوريا وبلاد الفرس وتركيا. كما رعى كنيسة في أديسا شرقي تركيا حيث استشهد بسبب إيمانه.

محاسِب

يهوذا الاِسْخَريوطيّ

لعله الشخص الأكثر عديمي الضمير في العالم، فقد دعا الرب يسوع يهوذا الاسخريوطي مثل الاثني عشر ليكون واحداً من تلاميذه. كان يهوذا مسؤولاً عن الأمور المالية المتعلقة بالرب يسوع والتلاميذ الاثني عشر وكان يسرق منها ليغتني. بعد خيبة أمله من الاغتناء من خدمة الرب يسوع، خان يهوذا الرب يسوع وأسلمه للسلطات الدينية اليهودية مقابل ثلاثين قطعة من الفضة (ثمن عبد). فاعتُقِل الرب يسوع في اليوم ذاته وصُلِب في اليوم التالي. شعر يهوذا بنوع من الندم لخيانته رجلاً بريئاً، فأعاد المال للقادة الدينيين ومن ثم خرج وشنق نفسه.

اختار الرب يسوع اثني عشر رجلاً بطريقة تُظهر أن “مَلَكُوتَ اللهِ لَا يَأْتِي بِعَلامَةٍ مَنْظُورَةٍ. وَلا يُقَالُ: هَا هُوَ هُنَا، أَوْ: هَا هُوَ هُنَاكَ! فَهَا إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ فِي دَاخِلِكُمْ“, (لوقا 17: 20-21). إذ أن ملكوت الله يأتي “لَا بِالْقُدْرَةِ وَلا بِالْقُوَّةِ، وَلَكِنْ بِرُوحِي تُفْلِحُونَ يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ(زكريا 4: 6). اثنا عشر رجلاً عادياً تحت تأثير الروح القدس هم أكثر قدرة من ملايين الناس “غير العاديين” ممن يتحركون بقوتهم الشخصية.

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8