هل استخدمت الأيقونات دائمًا في التاريخ المسيحي؟

مقدمة

كان يوسابيوس القيصري، الذي عاش في الفترة 260-339م، أول مَن كتب تاريخاً شاملاً للمسيحية، ويُعتبَر أبو تاريخ الكنيسة. كان أول مَن أخذ على عاتقه مهمة تتبع نهوض المسيحية خلال القرون الحاسمة الأولى منذ المسيح إلى قسطنطين.

يقول المؤرخ بول ل. ماير: “ما الذي حدث لرُسُل يسوع لاحقاً في الحياة؟ هل ذهب سمعان بطرس يوماً إلى روما؟ أين قضى يوحنا باقي حياته؟ هل نجا بولس من تجربته أمام نيرو؟ متى كُتبَت الأناجيل؟ مَن الذي كتبها، وأين؟ كيف تطور مدفع العهد الجديد؟ كيف وأين اضُطهِد المسيحيون الأوائل؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تتعلق بفترة لم يغطِّها العهد الجديد ولما أمكن الإجابة عليها لولا يوسابيوس”.

في الرسالة القصيرة أدناه، يكتب يوسابيوس على كونستانتيا أوغست، شقيقة كونستانتين وزوجة الامبراطور الشريك ليوسابيوس رداً على طلبها بأن يرسل لها يوسابيوس ما يشبه المسيح الذي سمعت عنه كثيراً. اعترض يوسابيوس لأن صوراً كهذه هي دعوة إلى عبادة الأوثان.

في هذه الرسالة، يدين يوسابيوس ويرفض فكرة صناعة صور للمسيح في كل أشكال المسيح: المسيح كلمة الله الأبدية في صورته قبل التجسد، وصورته الجسدية خلال حياته على الأرض، وتمجيده بعد قيامته وصعوده.

يقول يوسابيوس أنه يُحرَّم على المسيحيين في كل مكان تشكيل صور للمسيح، بل ويعطينا مثالاً عما فعله عندما قابل امرأة تمتلك صورة للرسول بولس ويسوع.

رسالة يوسيبيوس إلى كونستانتيا

كتبتِ لي أيضاً بخصوص صورة مُفتَرَضة للمسيح ترغبين مني إرسالها إليكِ. ما هو هذا الشيء الذي تسمّيه صورة المسيح؟ لا أعرف ما الذي دعاكِ لطلب صنع صورة لمخلصنا. ما هو نوع الصورة التي تبحثين عنها للمسيح؟

هل تبحثين عن صورة لصفاته الأبدية والجوهرية كونه الله؟ أو تلك الصورة التي اتخذها من أجلنا عندما أخذ صورة عبد عندما تجسّد؟ حتى لو افترضنا أن له مظهرين، لا أعتقد أن طلبك له علاقة بمظهره الإلهي.

لا شك إذاً أنك تبحثين عن صورته كعبد، صورة الجسد الذي أخذه من أجلنا. لكن هذا أيضاً، كما تعلمنا، اختلط بمجد ألوهيته حتى ابتلعت الحياة الجزء الفاني. بكل تأكيد، ليس من المفاجئ أنه بعد صعود المسيح إلى السماء كان ينبغي أن يظهر ممجداً؛ لأنه حتى عندما كان يعيش بين البشر غيّر شكل العبد. لقد أظهر مسبقاً إلى قلة مختارة من تلاميذه جانباً من ملكوته، عندما أظهر تلك الطبيعة التي تفوق الطبيعة البشرية على جبل التجلي – عندما أشرق وجهه مثل الشمس وثيابه مثل النور.

مَن، إذاً، يقدر على تمثيل الإشراق المتلألئ والوامض لكرامة ومجد كهذا في وسط الألوان القاتمة والرسومات غير الحية في حين لم يستطع حتى تلاميذه تحمُّل رؤيته في هذا المظهر وسقطوا على وجوههم معترفين بعدم قدرتهم على احتمال المنظر؟ إذا كان شكله المُتجسّد يمتلك قوة مثل هذه في ذلك الوقت، والتي تغيرت على تلك الهيئة بسبب اللاهوت الساكن فيه، فما حاجتي للحديث عن الوقت الذي تخلى فيه عن الحياة الفانية ونفض الفساد عندما غير هيئة العبد إلى مجد الرب الإله؟

كيف لشخص أن يرسم صورة لشكل عجيب بعيد المنال، إذا أمكن تطبيق مصطلح “شكل” على الجوهر الإلهي والروحي. إلا إذا، مثل الوثنيين غير المؤمنين، مثَّل الشخص أموراً لا تشبه أي شيء؟ لأنهم أيضا يصنعون مثل هذه الأصنام عندما يرغبون في تشكيل شبه ما يعتبرونه إلهاً أو، كما قد يقولون، أحد الأبطال أو أي شيء آخر من هذا القبيل، لكنهم يعجزون حتى من ملامسة أي تشابه، وبالتالي يرسمون ويمثلون بعض الأشكال البشرية الغريبة. بالتأكيد، حتى أنت ستوافقين على أن مثل هذه الممارسات ليست مشرَّعة بالنسبة لنا.

ولكن إذا كنت تقصدين أن تطلبي مني صورة، لا شكل المسيح الذي تحول إلى صورة الله، ولكن صورة الجسد الفاني قبل تغييره، فهل يمكن أن تكوني قد نسيتِ ذلك المقطع الذي يضع فيه الله الناموس بأنه لا ينبغي أن يكون هناك تشبيه لما في السماء أو ما في الأرض من تحت (خروج 20: 4)؟ هل سبق لك أن سمعتِ شيئاً من هذا القبيل سواء شخصياً في الكنيسة أو من شخص آخر؟ أليست هذه الأشياء ممنوعة ومستثناة من الكنائس في جميع أنحاء العالم؟ وليس سراً أن مثل هذه الممارسات غير مسموح بها لنا وحدنا؟

ذات مرة، لا أعرف كيف، أحضرت لي امرأة صورةً لرجلين على هيئة فلاسفة وقالت إنهما بولس والمخلِّص. ليس لدي أي فكرة من أين حصلت على هذه الفكرة أو من أين تعلمت مثل هذا الشيء. وحتى لا تشعر هي أو الآخرون بالإهانة، أخذت الصورة منها واحتفظت بها في منزلي. اعتقدت أنه من غير المناسب أن تُعرَض مثل هذه الأشياء على الآخرين، لئلا نبدو، مثل عبدة الأوثان، نحمل إلهنا معنا في صورة.

ألاحظ أن بولس يعلمنا ألا نتشبث بعد الآن بأمور الجسد إذ يقول: “وإن كنا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكن الآن لا نعرفه بعد” (2 كورنثوس 5: 16).

يقال إن سيمون الساحر معبود من هراطقة ملحدون مطليون بمواد هامدة. وأنا أيضاً قد رأيت الرجل الذي يحمل اسم الجنون (أي ماني) مرسوماً على صورة ويرافقه المانويون. أما بالنسبة لنا نحن المسيحيين، فإن مثل هذه الأشياء ممنوعة. لأننا باعترافنا بالرب الإله، مخلصنا، نستعد لرؤيته كإله، ونحن أنفسنا نطهر قلوبنا حتى نراه بعد تطهيرنا.

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8