ما هو الصوم المسيحي؟ 

التباين يجلب الوضوح – المسيحية ليست اختباراً. 

أحد الأمور التي تجعل شرح العقيدة الكتابية للصيام أمراً صعباً هو أننا نعيش في سياق وثقافة يهيمن عليها الإسلام، حيث لا يوجد أي شيء مشترك بين الصوم الإسلامي مع صوم الكتاب المقدس.

الصيام الإسلامي

الصيام ليس فريضة فحسب، بل هو أيضا أحد أركان الإسلام الأساسية الخمسة. في الإسلام، يُعد الصيام جزءاً من الشريعة والقانون المدني في البلدان الإسلامية. فالصيام منظم بشكل عالٍ ويتم وصفه كثيراً، إذ يتم إعلامك بالشهر المحدد وعدد الأيام، والوقت الذي يجب أن تصوم فيه خلال تلك الأيام. كما يتم إعلامك أيضاً بما يحظر تناوله خلال ساعات الصيام. أخيراً، في الإسلام، يصوم الجميع في وقت واحد، مما يجعله حدثا مجتمعياً وجلياً للغاية.

كل هذه الأشياء تتناقض مع الصوم الكتابي.

ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً هو أن العديد من الكنائس المسيحية قد حددت أيام الصيام مسبقاً. فمعظم الكنائس الغربية لديها 40 يوماً من الصيام خلال الصوم الكبير (صوم الفصح)، والذي ينتهي بأحد عيد الفصح، في حين أن الكنيسة القبطية تصوم 210 يوماً في تقويم كنيستها. ومع ذلك، لا يأمر الكتاب المقدس بأي من هذه الأصوام. فهي تنبع من التقليد وليس من الكتاب المقدس.

أشياء يجب أخذها في الاعتبار

أول شيء نلاحظه عن الصوم في الكتاب المقدس هو أنه ليس أمرا أو فريضة؛ فالله لم يأمر شعبه أبداً بالصوم، كما أنه لم يرد في ناموس (شريعة) موسى. يتوقع الله من شعبه أن يصوموا، لكنه لا يأمرهم بذلك كشريعة.

الشيء الثاني الذي نلاحظه هو أن الصوم تكرر كثيراً في الكتاب المقدس. فقد دعا النبي صموئيل ليوم وطني للصوم والاعتراف بالخطايا (1 صموئيل 7: 5-6). وبعد أن سمع الملك داود بموت الملك شاول، صام هو ورجاله حتى المساء (2 صموئيل 1: 12). وأثناء سبيها، دعت الملكة أستير إلى صيام لمدة ثلاثة أيام عن كل طعام والماء لأن البابليين خططوا لذبح جميع اليهود.

الشيء الثالث الذي نلاحظه هو أن غالبية مراجع الصوم في الكتاب المقدس هي روايات تصف الصيام، وليست وصفات حول كيفية الصيام. ففي الكتاب المقدس، لا توجد أيام أو أوقات محددة للصيام. تَرد ثلاثة مقاطع رئيسية تتحدث عن نوع الصوم المقبول عند الرب (إشعياء 58: 3-7؛ يوئيل ٢: ١٢-١٣؛ متى 6: 16-18).

كانت هناك فترة واحدة فقط مارس فيها شعب الله طقوس الصيام: السبعون عاما من الأسر بعد تدمير أورشليم عام 587. كان شعب الله يصوم ثلاث مرات سنوياً ليتذكروا جوانب مختلفة من دمار المدينة. ومن المثير للاهتمام أن الله لم يكن راضياً عن صيامهم. فقد أخبرهم الله أنه أراد أن تتوق قلوبهم إليه بدلا من الصوم الطقسي. يمكنك قراءة المزيد عن هذا في زكريا الأصحاحين 7 و8.

ما هو الصيام الكتابي

لا توجد طريقة واحدة صحيحة للصوم وفقا للكتاب المقدس. فقد صام دانيال ثلاثة أسابيع عن الأطباق الشهية واللحوم والنبيذ (دانيال 9: 3). يخبرنا النبي إشعياء أن الصوم الحقيقي لا يتعلق بإخضاع أنفسنا جسدياً وإنما بتواضع أنفسنا روحياً أمام الرب وفعل الخير للفقراء والمظلومين (إشعياء 58: 3-7). علمنا ربنا يسوع المسيح أننا إذا صمنا لكي يرانا الآخرون نكون منافقين ولن يقبل الله صومنا (متى 6: 16-18). عندما صام الملك داود، هَزُل جسده من عدم الأكل، وأصبح موضع استهزاء من أعدائه (مزمور 109: 24-25). صام النبي عزرا وحده (عزرا 9: 5). فيما دعا النبي يوئيل الخدام والكهنة والشيوخ وكل الشعب إلى الصوم، مخبراً إياهم أن يعودوا إلى الرب بتمزيق قلوبهم وليس ملابسهم، متذكرين محبة الله ورحمته (يوئيل 1: 13-14).

الصوم الكتابي هو تكريس قدر محدد من الوقت لتركيز حياتك الروحية أمام الرب، وعادة ما تطلب المساعدة أو الحماية من الله في أوقات الحاجة الشديدة، كمساعدة في التوبة والصلاة، أو لطلب حكمة الله لقضايا في الكنيسة. يمكن أن تصوم صوماً كتابياً بمفردك أو مع مجموعة أكبر. في بعض الأحيان، يكون حتى غروب الشمس، مثل بعد مأساة أو في أوقات التوبة. في بعض الأحيان، كما هو الحال مع النبي دانيال، كان لفترة طويلة ولكن فقط عن بعض الأطعمة.

لماذا يكون الصوم الكتابي بهذا الشكل؟

لماذا لا يكون الصوم الكتابي فريضة وإنما أمراً يمارسه شعب الله على مر الزمن؟ هناك ثلاثة أهداف رئيسية للصوم الكتابي: 1) نستخدمه لإضعاف الجسد وإخضاعه حتى لا ينجرف وراء مختلف أنواع الشهوات دون قيود. 2) نستخدمه لنكون مستعدين بشكل أفضل للصلوات والتأملات المقدسة أمام الله. 3) نستخدمه كدلالة على إذلال أنفسنا أمام الله عندما نرغب في الاعتراف بذنبنا أمامه. فالصوم ليس فريضة لأن الامتناع عن الطعام والشراب ليس شيئا يطلبه الله. كما أن الصوم ليس عملاً صالحاً في حد ذاته يطلبه الله منا، بل هو موصى به لنا كأداة ومعين لمساعدتنا في ضبط النفس والصلاة والتوبة.

كلمة رجاء الإنجيل

باتحادنا مع المسيح في موته على الصليب، نحصل على تأكيد مطلق بالمغفرة الكاملة لجميع خطايانا فنصبح مقبولين ومرحب بنا في محضر الله. لا يعتمد هذا الغفران والقبول على استحقاقنا وإنما على ما فعله المسيح من أجلنا. باتحادنا مع حياة المسيح الكاملة، يُسَر الله بنا ويقبل وجودنا في محضره. كمؤمنين بالرب يسوع المسيح القائم من بين الأموات، نحن لا نصوم لنصبح أكثر قبولا لدى الله. وإنما نصوم لأننا مقبولون عنده ونريد أن نزيد فرحنا به بإماتة جسدنا واختبار نعيم وجود الله كأغلى كنوزنا.

لمزيد من الدراسة

هناك العديد من الأسباب المختلفة التي تجعل الناس يصومون في الكتاب المقدس.

  • علامة توبة ولغفران الخطايا (يونان 3: 10؛ 1 صموئيل 7: 6)
  • المساعدة في أوقات المجاعة الشديدة (إرميا 14: 1-12)
  • المساعدة في أوقات الحرب (قضاة 20: 26-28؛ 1 صموئيل 7: 5-13؛ 2 أخبار الأيام 20: 3)
  • المساعدة في أوقات الاضطهاد الشديد (2 أخبار الأيام 19: 1-4; أستير)
  • المساعدة في أوقات الاحتياجات الخاصة مثل رحلة (عزرا 8: 21-23)
  • كعلامة على الرثاء (نحميا 1: 1-4; عزرا 9: 31-5)
  • خلال فترات الحزن الشديد (1 صموئيل 31: 8-13)
  • التواضع أمام الله (1 ملوك 21: 27-29)
  • العبادة (لوقا 2: 37)
  • للحكمة (أعمال الرسل 14: 23)
  • صوم المرضى (مزمور 35: 13)

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8