التحوُّل القلبيُّ المذهل في حياة مارتن لوثر

لم يكنْ مارتن لوثر (Martin Luther) يعلم أنَّه ستبدأ عمليَّةُ إصلاحٍ مستمرَّةٍ حتَّى يومنا هذا نتيجة قراءته للكتاب المقدَّس، ودراسته له، ووعظه وتعليمه منه بصفته راهبًا في الكنيسة الكاثوليكيَّة.

في 31 أكتوبر 1517م، قام مارتن لوثر بتثبيت ورقةٍ على باب كنيسة فيتنبرج (Wittenburg) في ألمانيا، واحتوت الورقة على 95 أمرًا رأى لوثر أنَّ الكنيسة كانت تُمارِسها رغم كونها غير كتابيَّة. لم يكنْ لوثر يحاول التسبُّب في مشكلات، ولكن ما حدث من جهةٍ أُخرى هو أنَّ جميع قادة الكنيسة تجاهلوه، ولم يعرفْ ما يمكن أن يفعله غير ذلك. في هذه المرحلة من رحلة لوثر، كان ما يزال راهبًا كاثوليكيًّا إلى حدٍّ كبيرٍ وكان يأمل أن يستمع البابا إلى اعتراضاته التي كان يطرحها بشأن الممارسة البشعة المتمثِّلة في بيع مغفرة الخطايا مقابل المال، ولكن لم يستمعِ البابا له.

وبعد سنواتٍ قليلة، وبينما كان لوثر يصارع بلا كللٍ في دراسته للمقطع الكتابيِّ في رومية 1: 17، فهِمَ أخيرًا أنَّنا نتبرَّر بالإيمان بالمسيح، وليس بالاعتماد على الأعمال. وهكذا بدأ استرداد رسالة الإنجيل في أوروبَّا، وهو الأمر الذي استمرَّ وانتشر، بنعمة الله، في جميع أنحاء العالم.

   التحوُّل القلبيُّ الذي اختبره لوثر موصوفًا بكلماته الخاصَّة:

لقد كنتُ واثقًا من حقيقة أنَّني أصبحْتُ أكثر مهارةً بعد أن قدَّمْتُ محاضراتٍ في الجامعة عن رسالتَي القدِّيس بولس إلى رومية وغلاطيَّة، وعن الرسالة إلى العبرانيِّين. لقد كنتُ أسيرًا حقًّا لشَغَفٍ غير عاديٍّ لفهْمِ ما يقوله بولس في الرسالة إلى كنيسة رومية. لكن كان ما يقف عائقًا أمامي حتَّى ذلك الحين ليس هو برودة قلبي الطبيعيَّة، بل كان العائق متمثِّلًا بكلمةٍ واحدةٍ في الأصحاح 1: 17 لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ، وذلك لأنَّني كرهْتُ هذا التعبير برُّ اللهِ، والذي تعلَّمْتُ وفقًا لاستخدام جميع الـمُعلِّمين له وتقاليدهم في التعامل معه أن أفهمه فلسفيًّا في ما يتعلَّق بالبرِّ الرسميِّ أو الفعليّ، بحسب تعبير أولئك الـمُعلِّمين، والذي به يكون الله بارًّا ويعاقب الخاطئ غير البارّ.

رغم أنَّني عشتُ حياة الراهب دون لوم، فقد شعرْتُ بأنَّني خاطئٌ يقف أمام الله بضميرٍ مضطربٍ جدًّا. لم أستطعْ أن أُصدِّق أنَّه راضٍ عن أعمالي الصالحة. لم أحبّ، نعم، كرهْتُ الإله البارَّ الذي يعاقب الخطاة. وكنتُ غاضبًا من الله في الخفاء حتَّى إن لم يكنْ ذلك يظهر على نحوٍ تجديفيٍّ واضحٍ علنيّ، ولكنَّه بالتأكيد اشتمل على الكثير من التذمُّر الذي يظهر في صورةِ تمتمةٍ خافتة. وقلتُ في نفسي: ألا يكفي أنَّ الخطاة البائسين الهالكين إلى الأبد بسبب الخطيئة الأصليَّة يُسحَقون بكلِّ أنواع الكوارث بموجب شريعة الوصايا العشر، ولكنَّ الله يزيد ألـمًا فوق ألـمٍ بواسطة الإنجيل، وأيضًا بواسطة تهديد الإنجيل لنا ببرِّ الله وسخطِه. وهكذا اشتعلْتُ غضبًا بضميرٍ شرسٍ عنيفٍ مضطرِب. ومع ذلك، كنتُ أنتقد بولس وأهاجمه باستمرارٍ بشأن كلامه في ذلك المقطع الكتابيِّ في رومية 1: 17، وكانت لديَّ رغبةٌ شديدةٌ في معرفة ما يريده  القدِّيس بولس.

وأخيرًا، بواسطة رحمة الله، انتبهْتُ إلى سياق الكلمات بينما كنتُ أتأمَّل وأدرس نهارًا وليلًا، وهذا السياق هو: لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ، لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: «أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا«. هناك بدأتٌ أفهم أنَّ برَّ الله هو ذلك الذي بواسطته يحيا البارُّ بعطيَّةٍ من الله، وتحديدًا بالإيمان. وهذا هو المعنى: برُّ الله معلنٌ بالإنجيل، أي البرُّ المحتسَب شرعيًّا لحسابنا الذي به يُبرِّرنا الله الرحيم بالإيمان، كما هو مكتوب: أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا.

وهنا شعرْتُ بأنَّني وُلِدْتُ ولادةً جديدةً يمتدُّ تأثيرها إلى كلِّ كياني، وشعرْتُ بأنَّني دخلْتُ الفردوسَ نفسه عبْرَ بوَّاباتٍ مفتوحة. وظهر لي هناك وجهٌ مختلفٌ تمامًا للكتاب المقدَّس كلِّه. ومن ثمَّ بدأْتُ أسترجع من ذاكرتي ما تقوله الكتب المقدَّسة. وقد لاحظْتُ أيضًا وجودَ تشبيهاتٍ نراها في عباراتٍ أُخرى، ومن هذه التشبيهات:

عمَلُ الله، أي ما يفعله الله فينا

قوَّة الله التي بها يجعلنا أقوياء

حكمة الله التي بها يجعلنا حكماء

قدرة الله

خلاص الله

مجد الله

وقد أصبحْتُ أمتدح ذلك التعبير (“برُّ اللهِ“) وأحبُّه محبَّةً كبيرةً على ذات القدْرِ الذي كنتُ أكرهه في الماضي. وهكذا،  فالتعليم الذي قدَّمه بولس في رومية الأصحاح 1 كان حقًّا بوَّابةَ الفردوس لي.

.

منقولٌ عن أعمال لوثر، المجلَّد 34: عمَلُ الـمُصلِح الجزء الرابع (Luther’s Works, vol. 34: Career of the Reformer IV).

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8