ما هو عِلْم اللاهوت الـمُصلَح، ولماذا هو مهمّ؟

اضطُرِرتُ أنْ أكتُبَ إلَيكُمْ واعِظًا أنْ تجتَهِدوا لأجلِ الإيمانِ المُسَلَّمِ مَرَّةً للقِدّيسينَ (يهوذا 3)

ما هو عِلْم اللاهوت الـمُصلَح؟

عِلْم اللاهوت الـمُصلَح هو طريقةٌ لتفسير الكتاب المقدَّس تجعل اللهَ مركزَ كلِّ عقيدة.

نشأ عِلْم اللاهوت الـمُصلَح من الإصلاح البروتستانتيِّ في القرن السادس عشر الميلاديِّ عندما بدأ اللاهوتيُّون في قراءة كلمة الله لفهم محتواها، ليس كما كانت الكنيسة تُعلِّمها، ولكن بحسب المعنى الذي قَصَدَه الله في الأصل.

اعتقد الـمُصلِحون أنَّه من الضروريِّ في كلِّ جيلٍ أن تُوضِّح الكنيسة معتقداتها ضدَّ الهجمات المستمرَّة وضدَّ التشويهات لحقائق كلمة الله. يُشَار إلى المسيحيَّة أحيانًا على أنَّها إيمان، فيُقَال الإيمان المسيحيّ. عندما يُستخدَم مصطلح الإيمان، فإنَّ المقصود هو التعاليم التي تُؤكِّدها الكنيسة وتثق بها والتي يجري بواسطتها تعريفُ محتوى المسيحيَّة.

نُقدِّم في ما يلي خمسة مجالاتٍ أساسيَّة في عِلْم اللاهوت ينفرد بها الفكرُ الإصلاحيُّ في تعبيره عن اللاهوت المسيحيّ:

1 إقرارات الإيمان وقوانين الإيمان

2 علم الخلاص والكفاية

3 اللاهوت العَهْدِي

4 التمييز ما بين الناموس والإنجيل

5 وسائط النعمة العاديَّة

1. إقرارات الإيمان وقوانين الإيمان

اللاهوت الـمُصلَح هو لاهوتٌ مبنيٌّ على إقرارات الإيمان؛ حيث يبدو واضحًا أنَّ عقائده وتعاليمه وُضِعَتْ في شكلٍ منهجيّ. أراد الـمُصلِحون في القرن السادس عشر الميلاديِّ أن يفهم شعبُهم بوضوحٍ ما يُعلِّمه الكتابُ المقدَّس حول مواضيع محدَّدة، لا سيَّما الأمور المتعلِّقة بالله، والخلاص، والإيمان، وكفاية المسيح. لقد قاموا بتدوينها إمَّا في شكل سؤالٍ وجوابٍ أو في شكل تصريحاتٍ أو إعلانات إيمان.

قوانين الإيمان وإقرارات الإيمان التي يؤمن بها الـمُصلِحون هي:

قانون الإيمان الرسوليُّ (Apostles’ Creed) (140)

قانون الإيمان النيقاويُّ (Nicene Creed) (381)

العقيدة الأثناسيَّة (Athanasian Creed) (450)

مَجْمَع خلقيدونية (The Council of Chalcedon) (451)

إقرار الإيمان البلجيكيُّ (Belgic Confession) (1556)

تعليم هايدلبرغ (Heidelberg Catechism) (1563)

إقرار سنودس دورت (Canons of Dort) (1619)

إقرارُ الإيمان الوستمنستريُّ (Westminster Confession of Faith) (1647)

تعليم وستمنستر الموجَز وتعليم وستمنستر المطوَّل (Westminster shorter and larger Catechisms) (1648)

إقرارُ الإيمان المعمدانيُّ في لندن (London Baptist Confession of Faith) (1689)

ما هي أهمِّيَّة إقرارات الإيمان؟

تعطينا إقراراتُ الإيمان التي قام الـمُصلِحون بكتابتها لمحةً موجزة رغم أنَّها شاملةٌ في الوقت ذاته عن عقائد الإيمان المسيحيّ. كما تُمثِّل أيضًا نوعًا من الدرابزين اللاهوتيّ؛ فتمنعنا من الوقوع في الخطأ والتوجُّه بطريقةٍ مُبالَغٍ بها في أيِّ اتِّجاه. تساعدنا إقرارات الإيمان أيضًا على فهْمِ أهمِّيَّة بعض العقائد والترتيب التي تأتي به هذه العقائد. إذا كنتَ مسيحيًّا عاديًّا وقرأْتَ ودرسْتَ إقرار إيمانٍ أنتجه الإصلاحُ، فستفهم تعاليم الكتاب المقدَّس الأساسيَّة بطريقة عميقة.

2 ـ علم الخلاص والكفاية

اللاهوت الـمُصلَح فريدٌ من نوعه في عِلْم الخلاص (Soteriology) الخاصِّ به (وهو العلم الذي يتناول عقيدة الخلاص)، وهو فريدٌ أيضًا في تعليمه الواضح عن كفاية حياة المسيح وطاعته وآلامه وموته وقيامته لخلاص كلِّ مَن يؤمن به. سواءٌ أدركْتَ ذلك أم لا، هناك الكثير من الالتباس حول عقيدة الخلاص. كيف يَخْلُص الناس؟ ما هو الدور الذي تلعبه الأعمال في خلاصنا؟ ماذا كان هدف المسيح من موته على الصليب؟ هل حقَّقَ ذلك الهدف؟ يعطينا عِلْم اللاهوت الـمُصلَح بعض الإرشادات الواضحة للتعامل مع هذه الأسئلة.

أساسيَّات لاهوت الإصلاح هي نقاط الـ سولاس (Solas) الخمس (أي نقاط الـ وحْدَه الخمس)

  الكتاب المقدَّس وحْدَه (Sola Scriptura)

الكتاب المقدَّس وحْدَه هو سلطتنا النهائيَّة في جميع الأمور المتعلِّقة بالإيمان والخلاص.

  النعمة وحْدَها (Sola Gratia)

خلاصنا هو بالنعمة وحْدَها. لا تساهم أعمالنا في تحقيق خلاصنا.

  الإيمان وحْدَه (Sola Fide)

خلاصنا هو بواسطة الإيمان وحْدَه، أي أنَّنا نَخْلُص بواسطة عطيَّة الله المجَّانيَّة، التي هي النعمة، وذلك بواسطة الإيمان بالمسيح.

  المسيح وحْدَه (Solus Christus)

يقوم خلاصنا على أساس المسيح وحْدَه. الإيمان هو الوسيلة التي نتمسَّك بها بالمسيح وحْدَه من أجل خلاصنا.

  المجد لله وحْدَه (Soli Deo Gloria)

إنَّ الهدف من خلاصنا من أوَّله إلى آخِره هو لكي يكون المجد لله وحْدَه. كلُّ ما في المسيحيَّة من عقيدةٍ وتعاليمَ وحياةٍ هو لمجد الله وحْدَه.

جزءٌ أساسيٌّ آخَر من علم اللاهوت الـمُصلَح هو عقائد النعمة الخمس:

 الفساد الكلِّيّ

رغم أنَّ الله خلقنا دون خطيئةٍ أو فسادٍ وفي علاقة ٍكاملةٍ ومثاليَّةٍ مع نفسه، فإنَّ البشريَّة سقطَتْ من تلك الحالة المباركة لتصبح في حالة عداوةٍ مع الله عندما أخطأ آدم في الجنَّة. إذا لم يكنْ شخصٌ ما مؤمنًا بالمسيح، فإنَّ كلَّ الأعمال الصالحة التي يقوم بها تكون مثْلَ الخِرَق القذرة في نظرِ الله.

 الاختيار غير المشروط

على الرغم من أنَّنا نستحقُّ الانفصالَ الأبديَّ عن الله بسبب معاصينا، فقد اختار الله أن يُخَلِّص شعبًا لنفسه من هذا العالم. لا يعتمد هذا الاختيار من الله للناس على استيفائهم لأيِّ شروط، بل يعتمد فقط على اختيار الله السياديّ.

 الكفَّارة المحدودة

مات المسيح ليُخَلِّص كلَّ مَن اختارهم الآبُ قبْلَ خلْقِ أساسات العالم. مات المسيح من أجل مختاريه فقط، والذين مات من أجلهم سيَخْلُصون لأنَّ المسيح مات خصِّيصًا لهم وبديلًا عنهم. بعبارةٍ أُخرى، فإنَّ عمَلَ الفداء الذي قام به المسيح هو مُخصَّصٌ على وجه التحديد لجميع أولئك الذين اختارهم الله ليكونوا شعبَه.

  النعمة التي لا تُقاوَم 

كلُّ الذين مات المسيح من أجلهم سيؤمنون به لأنَّ الله سيمنحهم النعمة لكي يؤمنوا. إنَّ قدرتنا على الحصول على الإيمان الـمُخَلِّص بالمسيح تستند إلى أنَّ الله يمنحنا أوَّلًا النعمة لكي نؤمن. عندما يمنحنا الله النعمة لكي نؤمن، فإنَّ هذه النعمة تُغيِّر إرادتَنا وتُحوِّلها من رفْضِ الله إلى قبوله من القلب بمحبَّة.

  مثابرة القدِّيسين

كلُّ الذين اختارهم اللهُ، وافتداهم المسيحُ، وأُعْطِيَتِ النعمةُ لهم لكي يؤمِنوا، سيحفظهم اللهُ حتَّى ذلك الوقت الذي سيُمجِّدهم فيه عند وصولهم إلى السماء. سيحمي اللهُ إيمانَ مختاريه، وسيُقِيمهم من الموت في اليوم الأخير.

3. اللاهوت العَهْدِي

يُسَمِّى عِلْم اللاهوت الـمُصلَح أحيانًا باسم اللاهوت العَهْدِيِّ بسبب الأهمِّيَّة الكبيرة التي يوليها لاستخدام الله لمفهوم العهد في الكتاب المقدَّس.

ماذا يعني أن يكون الله إلهًا مُحافِظًا على العهد؟

يحتوي الكتاب المقدَّس على عهدين رئيسيَّيْن: عهد الأعمال الذي قطعه الله مع آدم في جنَّة عدن، وعهد النعمة الذي قطعه الله مع آدم وحوَّاء بعد أن تَعَدَّيا وكَسَرا عهدَ الأعمال.

ما هو عهد الأعمال؟

صنع اللهُعهدَ الأعمالمع آدم وحوَّاء بوصفهما مُمثِّلَيْن للبشريَّة جمعاء التي كانت ستأتي بعدهما. قبْلَ سقوط الإنسان في الجنَّة وما نتج عنه من دخول الخطيَّة إلى العالَم، كان بإمكان آدم وحوَّاء أن يُطِيعا ناموس الله تمامًا وأن يُرضِيا الله بطاعتهما. وبواسطة الأعمالِ الصالحة التي قام بها آدم وحوَّاء وحِفْظِهما لشريعة الله، فقد كان لهما الوعدُ بحياةٍ أبديَّةٍ وبأن يكون الله إلهًا لهما. ولكنْ كانعهدُ الأعمالمشروطًا، وكانت الوعودُ مشروطةً بطاعتهما الكاملة والدائمة. كان الخطر الذي يُهدِّدهما إذا كَسَراعهدَ الأعمالهو أنَّهما سيختبران الموتَ الجسديَّ والروحيّ. وهكذا لم نَعُدْ، نحن البشر، قادرين على أن نعيش حياةً أبديَّةً بواسطة أعمالنا بعد سقوط آدم وحوَّاء.

ما هو عهد النعمة؟

في اللحظة التي كسر فيها أبونا آدم وأمُّنا حوَّاء عهدَ الله وأَكَلَا من الشجرة المحرَّمة، قطع الله برحمةٍ ومحبَّةٍ خالصتين عهدًا جديدًا معهما، ومعنا جميعًا بواسطتهما (لكوننا من نسلهما). كان هذا العهدُ الجديدَ عهدَ نعمةٍ غير مشروط، لم يَعُدْ عهد الله مبنيًّا على شروطٍ بل على وعود! نرى في عهد النعمة أنَّ الله يُقدِّم للأشخاص الذين وقعوا في التعدِّي الحياةَ الأبديَّة والخلاصَ مجَّانًا بواسطة مُخَلِّص قُدِّمَتْ للشعب القديم وعودٌ ونبوَّاتٌ مُختصَّةٌ به وقد أُعلِن وأُظهِر هذا الـمُخَلِّصُ لنا في شخص يسوع المسيح.

ما هما العهدان القديم والجديد؟

العهد القديم والعهد الجديد كلاهما يُمثِّلان إدارتين مختلفتين من عهد النعمة. بموجب العهد القديم، كان عهد النعمة يُدَار بموجب شريعة موسى بواسطة النبوَّات والوعود والذبائح والختان وحَمَلِ (ذبيحة) الفصح والكثير من الفرائض الأُخرى التي أُعطِيَتْ لشعب الله القديم، وكانت كلُّ هذه الأمور تعلن عن المسيح الآتي. لقد حصلوا على مغفرة الخطيَّة بواسطة الإيمان بالمسيح الذي كان سيأتي.

بموجب العهد الجديد، يُدَار عهدُ النعمة بواسطة إعلان يسوع المسيح، الذي أطاع عهد الأعمال نيابةً عنَّا، والمسيح هو الموضوع الذي تدور حوله جميع نبوءات العهد القديم ووعوده وذبائحه وفرائضه. فرائض العهد الجديد هي الكرازة بالإنجيل، وفريضتا المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ. رغم أنَّ فرائض العهد الجديد أقلُّ عددًا وأكثرُ بساطة، وذات مجدٍ خارجيٍّ أقلّ، فإنَّها مليئةٌ بالمعنى والثمر الروحيِّ أكثر من فرائض العهد القديم. يجب تقديم هذا الإنجيل الذي يتكلَّم عن المسيح، الـمُخَلِّص، إلى جميع الناس في كلِّ مكان، سواء كانوا من الشعب العبرانيِّ القديم أو من الأمم الأُخرى.

4. التمييز ما بين الناموس والإنجيل

هناك فرقٌ رئيسيٌّ آخَر يُميِّز عِلْم اللاهوت الـمُصلَح وهو وضوح التمييز بين الناموس والإنجيل، أي بين ما يطلبه الله منَّا وما يمنحه لنا مجَّانًا في المسيح.

الناموس (الشريعة)

الناموس هو إعلانٌ لما يطلبه الله منَّا لنكون أبرارًا. يعكس الناموسُ الأخلاقيُّ (الأدبيُّ) شخصيَّةَ الله القدُّوس، وهو يُعَبِّر عن الأمور التي يطلبها الله منَّا لنكون صالحين أمامه، كما أنَّ الناموس يقوم بإبلاغنا بهذه الأمور. إنَّ خلاصة ما يطلبه الله منَّا في الناموس هي أن نحبَّه من كلِّ القلب والفكر والنفس وأن نحبَّ الآخَرين كما نحبُّ أنفسنا نحن مطالبون بالقيام بهذين الأمْرَين (الوصيَّتَيْن) على أكمل وجه.

الإنجيل

وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ الإنجيل ليست فيه وصايا مُلحَقةٌ به تتعلَّق بما هو مطلوب منَّا. يدور الإنجيل كُلِّيًّا حول ما أنجزه اللهُ في المسيح من أجلنا، ثمَّ أُعطِي ذلك لنا بالنعمة وحصلنا عليه بواسطة الإيمان. لقد أنجز المسيح ُكلَّ ما كان مطلوبًا منَّا وأعطانا إيَّاه في الإنجيل، وهو ما يجعلنا أبرارًا أمام الله على حساب كمال المسيح وطاعته.

يطالب الناموس بكلِّ شيءٍ ولا يعطينا شيئًا، في حين أنَّ الإنجيل لا يطالب بشيءٍ ويعطينا كلَّ شيء. إنَّ الفهم الصحيح لهذا الفرق ما بين الناموس والإنجيل سيساعدنا على أن نفهم الكيفيَّة التي نقرأ بها الكتاب المقدَّس، والكيفيَّة التي نحصل بها على التوجيه من الناموس، والكيفيَّة التي نحصل بها على التعزية بواسطة الإنجيل.

5. وسائط النعمة العاديَّة

يُعيِّن الله وسائط النعمة العاديَّة، كما يعمل الروح القدس على تقوية هذه الوسائط للمساعدة على توجيه نفوسنا وأفكارنا إلى المسيح، والمساعدة على الحفاظ على إيماننا وتغذيته في اتِّحادنا بالمسيح بينما نرتكز على المقاصد السياديَّة لإلهنا المثلَّث الأقانيم.

تشمل وسائط النعمة العاديَّة“:

  • قراءة كلمة الله والاستماع إلى التعليم الـمُعلَن بواسطتها عندما تُقدَّم العظات استنادًا إليها
  • المشاركة في فريضتَي المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ
  • أن يكون الشخص جزءًا من جسد المسيح ضمن جماعةٍ (كنيسةٍ) محلِّيَّة
  • الخضوع لقيادة الكنيسة من أجل الرعاية الروحيَّة

تجيب فكرةُ وسائط النعمة عن الأسئلة التالية:

  • كيف يمكنني بصفتي مؤمنًا الوصول إلى نعمة الربِّ والحصول عليها لتسديد احتياجاتي الكثيرة؟
  • إلى أين أذهب، وماذا أفعل للتواصل مع المساعدة الحقيقيَّة التي يُقدِّمها الله للخطاة الضعفاء هنا في هذا العالَم؟
  • كيف يمكنني أن أنضج في الإيمان، وأساعد في تلبية احتياجات الآخَرين، وأَخضَع للمساءلة الروحيَّة، وأنمو في محبَّتي لله والآخَرين؟

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8