ما هي النقاط الخمس للكالفينيَّة؟

عقائد النعمة

مقدِّمة

نشأَتِ النقاط الخمس للكالفينيَّة (Calvinism)“- كما يُطلَق عليها من هولندا في عام 1610م، بعد أقلَّ بقليلٍ من مائة عامٍ من الوقت الذي استردَّ فيه مارتنُ لوثر (Martin Luther) رسالةَ الإنجيل عندما بدأ بالإصلاحِ البروتستانتيِّ في أوروبَّا. كان هناك أستاذٌ هولنديٌّ يُدعَى جاكوب أرمينيوس (Jacob Arminius) كان يُدرِّس اللاهوت المناهِض للإصلاح حول طبيعة الخلاص. علَّم أرمينيوس ما يلي:

(1) لم يكنْ سقوط آدم وحواء في الخطيئة كاملًا وكان ما يزال لديهم بعض الخير الروحيّ.

(2) عندما يتحدَّث الكتاب المقدَّس عن اختيار الله للناس وتعيينهم الـمُسبَّق للخلاص، فإنَّه يفعل ذلك فقط بسبب عِلْمِه أنَّهم سيؤمنون به في المستقبل.

(3) كان موت المسيح على الصليب من أجل الجميع، ولكنَّه في الواقع لم يُؤمِّن فداء أيِّ شخصٍ لأنَّ فداء المسيح تعوقه الإرادةُ البشريَّة الحرَّة.

(4) يمكن للروح القدس أن يبذل قصارى جهده لجذب الناس إلى الله، ولكن يمكن أن تتسبَّب إرادةُ الفرد بإحباط عمَلِه وفشله.

(5) حتَّى بعد أن يجري افتداؤك وشراؤك وتخليصُك وتَبَنِّيك وتطعيمُك لتكون غصنًا في شجرة عائلة الله، فإنَّه ما يزال ممكنًا أن تفقد خلاصَك بالابتعاد عن الله. إيمانك لا يحفظه الله.

اجتمعَتِ الكنيسة في هولندا لمناهضة هذه العقائد الخمس التي كانت مختلفةً اختلافًا جذريًّا عن لاهوت الإصلاح، وكان الهدف من اجتماعها هو توضيح ما تعتقده الكنيسة وتعترف به على أنَّه تعليمٌ كتابيٌّ حقيقيّ. اجتمعَتِ الكنيسة معًا في مدينة دورت (Dort) في هولندا 154 مرَّةً على مدى سبعة أشهر، ثمَّ نشرَتْ بيانًا بعنوان إقرار سنودس دورت، وهو بيانٌ تستخدمه الكنائس الإصلاحيَّة حتَّى يومنا هذا في جميع أنحاء العالم.

وقد وُضِعَتْ عقائدُ النعمة الخمس في مقابل النقاط الخمس لأرمينيوس، وتُسَمَّى هذه العقائدُ عادةً النقاطَ الخمس للكالفينيَّة (رغم وفاة كالفن قبْلَ 40 عامًا تقريبًا من كتابة إقرار سنودس دورت“).

النقاط الخمس للكالفينيَّة

1. الفساد الكلِّيّ

تبدأ النقاط الخمس للكالفينيَّة بعقيدة الفساد الكلِّيّ. لا تُعلِّم هذه العقيدة أنَّنا سيِّئون كلِّيًّا بقدر ما يمكننا أن نكونه من السوء، ولكنَّها تقول إنَّنا لا نستطيع أن نرضي الله بواسطة أيِّ أعمالٍ صالحةٍ باستثناء قبول الإيمان الذي يُخَلِّصنا. يخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّه حتَّى أعمالنا الصالحة جميعها هي مِثْل الخِرَق القذرة أمام الله (إشعياء ٦٤: ٦)، وأنَّه ليس بارٌّ ولا واحد (رومية ٣: 10)، وأنَّه بدون إيمانٍ لا يمكن إرضاء الله. (عبرانيِّين 11: 6)، وأنَّ كلَّ ما لا ينبع من الإيمان هو خطيَّةٌ (رومية 14: 23)، وأنَّنا أمواتٌ روحيًّا في ذنوبنا وخطايانا (أفسس 2: 1)، وأنَّ الخطيَّة والموت دخلا إلى العالَم بواسطة خطيَّة آدم الأُولى، فأصبح الناس كلُّهم ​​خطاةً (رومية 5: 12). مرَّةً أُخرى، يُعلِّمنا الكتاب المقدَّس أنَّ أيَّ شخصٍ يكسر (أو يخالف) ناموس الله بأيِّ شكلٍ من الأشكال يقع تحت غضب الله ويُلعَن منه (غلاطيَّة 3: 10-13). هذه هي عقيدة الفساد الكلِّيّ.

2. الاختيار غير المشروط

تُعلِّمنا عقيدة الاختيار غير المشروط أنَّه عندما يختار الله الخطاةَ لكي يؤمنوا ويخلصوا، فإنَّ ذلك لا يعتمد على استيفائنا لأيِّ معايير لهذا الخلاص. لا يختارنا الله بسبب أعمالنا الصالحة أو لأنَّنا من عائلةٍ أو قبيلةٍ أو أمَّةٍ معيَّنة. إنَّ اختيار الله للخطاة هو نعمةٌ مجَّانيَّةٌ تمامًا بحيث لا يمكن لأحدٍ أن يتباهى بأنَّه فَعَل أمرًا ما لتحقيق ذلك (أفسس 2: 8-9). عندما يختارنا الله للخلاص، فإنَّه لا ينظر إلى نهاية نفَقِ الزمن ليرى مَن هو الإنسان الذي سيختار اللهَ أوَّلًا؛ لأنَّه لا أحد منَّا سيختار اللهَ بمحض إرادته لو كان الاختيار في يدنا (رومية 3: 11). ولكن الأمر الذي يحدث هو أنَّ الله اختارنا أوَّلًا، ويعتمد اختيارنا لله على اختياره السياديِّ لنا أوَّلًا (متَّى 11: 27؛ رومية 9: 11؛ يوحنَّا 6: 37، 44). قرَّر الله أن يختار لنفسه شعبًا حتَّى قبْلَ أن يُخلَق العالم (أفسس 1: 4). لقد اختارنا الله في محبَّةٍ لكي يجري تَبَنِّينا لنكون أبناء وعَيَّننا مُسبَّقًا لنكون مشابهين لصورة المسيح (أفسس 1: 5 ؛ رومية 8: 29).

3. الكفَّارة المحدودة

إنَّ عقيدة الكفَّارة المحدودة تُوصَف على نحوٍ أفضل بالتعبير الكفَّارة الحقيقيَّة أو الكفَّارة الفعليَّة. تُعلِّمنا هذه العقيدة عن مدى أو حدود ما فَعَله المسيح في موته على الصليب (يوحنَّا 17: 6، 9). تُعلِّمنا عقيدة الكفَّارة المحدودة أنَّ المسيح لم يمتْ ليُقدِّم كفَّارةً متاحةً لكلِّ الناس، بل كانت إرادة الله أن يموت على وجه التحديد من أجل مختاريه (متَّى 1: 21). إنَّ نقيض الكفَّارة المحدودة هي الكفَّارة غير المحدودة (الشاملة) أو المحتملة، والتي تعني أنَّ المسيح مات ليُقدِّم احتماليَّة الخلاص لجميع الناس ولكنَّه في الواقع لم يُؤمِّنِ الخلاص لأيِّ شخصٍ على وجه الخصوص. نظريًّا، يمكن أن تؤدِّي الكفَّارة غير المحدودة (الشاملة)” إلى عدم حصول خلاصٍ لأيِّ شخص، لكنَّ عقيدة الكفَّارة المحدودة تُعلِّمنا أنَّ المسيح مات ليُخَلِّص حقًّا كلَّ شعبه (يوحنَّا 10: 11، 15). لم يسكبِ المسيح قطرةً واحدةً من دمه عبثًا (إشعياء 53: 11-12). تعطينا عقيدة الكفَّارة المحدودة تعزيةً كبيرةً في معرفة أنَّ المسيح مات فعلًا ليُخَلِّصنا، وليس لمجرَّد تقديم احتماليَّة الخلاص (أفسس 5: 25). تُعلِّمنا عقيدة الكفَّارة المحدودة أنَّه عندما مات المسيح، فهو قد مات حقًّا بدلًا من كلِّ مَن سيُخَلِّصهم (يوحنَّا 10: 15، 16؛ متَّى 20: 28)، وأنَّه امتصَّ حقًّا غضبَ الله الكامل على الصليب، وأنَّه دَفَع الثمن حقًّا عن كلِّ الأشخاص الذين أعطاه الآبُ إيَّاهم (أعمال الرسل 20: 28). عقيدة الكفَّارة المحدودة هي كفَّارةٌ حقيقيَّةٌ ومحدَّدة ٌ(يوحنَّا 10: 15).

 4. النعمة التي لا تُقاوَم

تُعلِّمنا عقيدة النعمة التي لا تُقاوَم أنَّه عندما يسكب الله نعمتَه الـمُخَلِّصة على أولئك الذين اختارهم للحياة الأبديَّة والذين مات المسيح من أجلهم، فإنَّهم سيأتون إليه بالتأكيد (أعمال الرسل 13: 48). لا تُعلِّم هذه العقيدة أنَّ الله يجرُّنا إلى الخلاص بالركل والصراخ ضدَّ إرادتنا، ولكنَّه يُغيِّر إرادتنا بلطفٍ وبصورةٍ لا يمكن مقاومتها حتَّى نأتي إليه بإرادتنا (كولوسي 2: 13؛ يوحنَّا 1: 13). تُعلِّمنا عقيدة النعمة التي لا تُقاوَم أنَّ نعمة الله التي تختار وتقوم بالتجديد الذي يسبق إيمانَنا به (يوحنَّا 3: 3). هذه النعمة بالذات هي التي تفتح أعيننا الروحيَّة لنراه ونؤمن به (يوحنَّا 6: 65). تُعلِّمنا هذه العقيدة أنَّ خلاصَنا هو كلِّيًّا وتمامًا نتيجة عمل نعمة الله الفادية في حياتنا (رومية 11: 6 ؛ أفسس 2: 8-9). تُعلِّمنا عقيدة النعمة التي لا تُقاوَم أنَّ الله سيُحدِث التأثيرَ المقصود من موت المسيح على الصليب، لأنَّ نعمة الخلاص لا يمكن أن يقاوِمَها أولئك الذين قد اختارهم الله للخلاص ومَنَحَهم الحياةَ الأبديَّة (يوحنَّا الأولى 5: 4 ؛ رومية 3: 24). إنَّ دعوة الله لمختاريه لا تقاوَم، وهي فاعلةٌ في خلاص كلِّ مَن مات المسيح ليُخَلِّصهم (رومية 8: 29-30).

5. مثابرة القدِّيسين

تُعلِّمنا عقيدة مثابرة القدِّيسين أنَّ الله سيحافظ على إيمان جميع مختاريه وجميع الذين مات المسيح من أجلهم (يوحنَّا 10: 28). وهو سيمنعنا من السقوط بصورةٍ نهائيَّةٍ وكاملةٍ من نعمته (بطرس الأولى 1: 4 ؛ لوقا 22: 31). وسيُقدِّمنا ​​لنفسه في اليوم الأخير بلا لومٍ أو عيب، وسيُقيمنا ويُوقِفنا أمامه في اليوم الأخير (يهوذا 24). إنَّ خلاصَنا من البداية إلى النهاية هو عملٌ من أعمال الله، وهو سيُكمِّل هذا العمل فينا (عبرانيِّين 12: 2). إنَّ الآب هو الذي اختارنا قبل تأسيس العالم، والابن هو الذي مات من أجلنا وبدلًا عنَّا على الصليب، والروح القدس هو الذي يحفظ إيماننا حتَّى النهاية (يوحنَّا 10: 27- 29؛ تسالونيكي الأولى 5: 23-24؛ رومية 8: 38-39؛ تيطس 3: 5).

ملاحظة: إذا أخذ المرء الحرف الأوَّل من النقاط الخمس في الكالفينيَّة باللغة الإنجليزيَّة، فإنَّها تُشكِّل كلمة TUILP، ولهذا السبب نرى أنَّه غالبًا ما ترتبط النقاط الخمس بزهرة التوليب أو الخزامى (tulip).

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8