من كان الرسول يعقوب؟

يعقوب ابن زبدي، اخو يوحنا

ثُمَّ سَارَ مِنْ هُنَاكَ قَلِيلاً، فَرَأَى يَعْقُوبَ بْنَ زَبَدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ فِي الْقَارِبِ يُصْلِحَانِ الشِّبَاكَ، فَدَعَاهُمَا فِي الْحَالِ لِيَتْبَعَاهُ، فَتَرَكَا أَبَاهُمَا زَبَدِي فِي الْقَارِبِ مَعَ الأُجَرَاءِ، وَتَبِعَاهُ.” (مرقس 1: 19-20)

كان يعقوب الأخ الأكبر لأخيه الأكثر شهرة، يوحنا، الذي كتب الإنجيل الرابع وثلاثة رسائل تحمل اسمه بالإضافة إلى سفر الرؤيا. كان يوحنا الرسول الوحيد الذي عاش حتى الشيخوخة ولم ينتقل إلى المجد بالاستشهاد. بالعكس منه، لم يكتب يعقوب أية نصوص في الكتاب المقدس، وكان أول رسول يستشهد لإيمانه، وكان الرسول الوحيد الذي سُجِّل موته لنا في الكتاب المقدس.

كان يعقوب ويوحنا صيّادَين من المنطقة الشمالية لإسرائيل حول بحر الجليل حيث كانا شريكين في التجارة مع الأخوين والتلميذين بطرس وأندَراوس (لوقا 5: 10-11).

لم يُذكَر يعقوب منفرداً قط في الكتاب المقدس باستثناء المرة التي سُجِّل فيها موته.

كان يعقوب واحداً من الدائرة المقربة من الرب يسوع، إلى جانب بطرس وأخيه يوحنا, شهد يعقوب نفسه التجلّي، حيث رأى الرب يسوع يتغير ويشع في لباس أبيض مبهر. هناك، رأى موسى وإيليا يتحدثان مع الرب يسوع عن موته وسمع صوت الله الآب يدوي من السماء: “هَذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ. لَهُ ٱسْمَعُوا(لوقا 9: 28-36). كان يعقوب وأخيه يوحنا وبطرس التلاميذ الوحيدون الذي رأوا الرب يسوع يقيم ابنة يايرس من الموت ويعيدها إليها الحياة (مرقس 5: 35-43). كما رافقا الرب يسوع إلى بستان جُثْسَيماني في الليلة التي خانه فيها يهوذا وتم القبض عليه من قِبَل اليهود. في البستان، أخبرهم الرب يسوع أننَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ“. وسمع يعقوب الرب يسوعَ يصلي إلى الله الآبأَبَّا، يَا أَبِي، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَدَيْكَ. فَأَبْعِدْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ، وَلكِنْ لِيَكُنْ لَا مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ(مرقس 14: 32-42).

كان أم يعقوب تُدعىسالومي” وكانت تابعة شغوفة من أتباع الرب يسوع المسيح، تخدمه أثناء تجواله في أرجاء إسرائيل. وكانت شاهدة على صلب الرب يسوع، إذ وقفت إلى جانب مريم، أم الرب يسوع، عندما مات عن خطايا العالم (متى 27: 56-55).

يبدو أن أبا يعقوب،زَبدي، كان رجلاً ثرياً وصاحب سلطة. وربما كان هذا ما قاد يعقوب ويوحنا بالإضافة إلى أمهما، لطلب مكانة مرموقة لهما إلى يمين ويسار الرب يسوع المسيح عندما يؤسس ملكوته. رداً على ذلك، ذكّرهم الرب يسوع أن اتباعه يعني آلاماً عظيمة، وأنهما إذا كانا يريدان أن يكونا قائدين في ملكوت الله فلا ينبغي بهما استخدام ذلك السلطان للحصول على السلطة الأرضية. “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ عَظِيماً بَيْنَكُمْ،قال لهما الرب يسوعفَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، وَأَيُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ أَوَّلاً فِيكُمْ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، فَهَكَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ: قَدْ جَاءَ لَا لِيُخْدَمَ، بَلْ لِيَخْدِمَ وَيَبْذُلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ(متى 20: 20-28). ذكّر الرب يسوع يعقوباً أن الألم يأتي قبل المجد في ملكوت الله. وبالتأكيد كان يعقوب سيتعلم أن يتألم لأجل المسيح قبل الدخول إلى المجد.

ابْنَي الرعد

كان يعقوب قائداً قوياً ورجلاً شغوفاً لملكوت الله. أطلق عليه الرب يسوع إلى جانب يوحناابْنَيِ الرَّعْدِلغيرتهما (مرقس 3: 17). نرى شغف يعقوب وغيرته لكرامة الرب يسوع عندما رفضته قرية في السامرة. عندما رأى يعقوب ويوحنا أن الناس رفضوا الرب يسوع طلبا منه إن كان ينبغي بهما أن يطلبا نزول نار من السماء لتهلك القرويين، كما فعل إيليا بأنبياء البَعْل. لكن الرب يسوع انتهرهما (لوقا 9: 56-51).

مات يعقوب لإيمانه في سنة 43 بعد الميلاد، أي بعد عشر سنوات من صعود الرب يسوع المسيح إلى السماء.

تُسَجَّل نهاية قصة يعقوب من المنظور الأرضي في سفر أعمال الرسل 12: 1-3: “فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَدَأَ الْمَلِكُ هِيرُودُسُ يَضْطَهِدُ بَعْضَ أَفْرَادِ الْكَنِيسَةِ، فَقَتَلَ يَعْقُوبَ شَقِيقَ يُوحَنَّا بِالسَّيْفِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّ هَذَا يُرْضِي الْيَهُودَ، قَرَّرَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى بُطْرُسَ أَيْضاً.”

يسجل الكتاب المقدس أن هيرودُس كان الذي أمر بقتله وأن أداة الإعدام ستكون سيفاً، أي أن رأسه قُطِع.

كان يعقوب أول مَن استشهد من التلاميذ لإيمانه في الرب المُقام يسوع المسيح .

قدم لناإيوسيبوسالمؤرخ التاريخي لبداية عصر الكنيسة، تسجيلاً لموت يعقوب مقتبساً منكليمنت الاولمن رومة (أحد آباء الكنيسة الأولى): “يقول كليمنت أن ذاك الذي قاد يعقوب إلى كرسي الحكم، عندما رآه يقدم شهادته، تأثر عاطفيا واعترف أنه هو أيضاً من أتباع يسوع المسيح. فسيق كلاهما بعيداً، وفي الطريق توسل إلى يعقوب ليغفر له. فقال له يعقوب بعد تفكير قليل: “ليكن السلام معكوقبَّله. وهكذا، قُطع رأسيهما في نفس الوقت بسبب إيمانهما في المسيح.”

أراد يعقوب تاجاً من المجد، فأعطاه الرب يسوع كأساً من الألم. أراد السلطة فأعطاه الرب يسوع الخدمة. أراد أن يحكم فأعطاه الرب يسوع سيفاً، لا ليحمله بل ليكون أداة إعدامه ودخوله الى المجد.