هل الله الآب أعظم من المسيح؟

ماذا قصد يسوع المسيح بقوله: “الآب أعظم مني”؟

أقوال يسوع الصعبة

سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ عَنْكُمْ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لَكُنْتُمْ تَبْتَهِجُونَ لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ، لأَنَّ الآبَ أَعْظَمُ مِنِّي.(يوحنا 14: 28)

قد تبدو كلمات يسوع المسيح هذه التي تصرّخ أن الآب أعظم منه مفاجئة لنا للوهلة الأولى. فنحن نعرف من تعليم الكتاب المقدس الواضح أن المسيح واحد في جوهر ولاهوت الآب. فكيف، إذاً، ينبغي لنا أن نفهم هذه الكلمات؟

في كل الإنجيل، يتم تذكيرنا أن المسيح هو الله الأبدي وهو واحد مع الآب. في الآية الأولى من الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا يخبرنا أن المسيح، الكلمة، هو الله: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ. وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهُ.” ومن ثم يتم إخبارنا في الآية 14وَالْكَلِمَةُ صَارَ بَشَراً، وَخَيَّمَ بَيْنَنَا، وَنَحْنُ رَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدَ ابْنٍ وَحِيدٍ عِنْدَ الآبِ، وَهُوَ مُمْتَلِىءٌ بِالنِّعْمَةِ وَالْحَقِّ.”

في يوحنا 10: 30 أعلن يسوع المسيح نفسه أن “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ!“، وقبل ما قال يسوع ان الأب اعظم منه، في الأصحاح 14 (حيث يوجد مقطعنا الكتابي) يطلب فيليبُّس من يسوع المسيح: “يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا!” فأجابه يسوع: “مَضَتْ هذِهِ الْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ وَأَنَا مَعَكُمْ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلِبُّسُ؟ الَّذِي رَآنِي رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ: أَرِنَا الآبَ؟” (الآيات 8-9)

فإذاً، ماذا قصد يسوع المسيح في قوله أن الآب أعظم منه؟

علينا أن نتذكر أمرين لفهم هذه المقولة.

1) الثالوث هو الله الواحد في ثلاثة أقانيم (اي ثلاثة أشخاص)

المشكلة التي تواجهنا عندما نفكر بالثالوث هي أننا نصارع بالفهم الصحيح لكون أقانيم (شخوص) الثالوث الثلاث هم فعلياً ثلاث أقانيم (شخصيات) متميزة. ونميل للاعتقاد أن أقانيم الثالوث الثلاثة هم نسخ مجردة واحدها من الآخرين إذ يبدون ويسلكون بنفس الطريقة. لكن الأقانيم الثلاثة للثالوث هم ثلاثة شخوص مختلفة متميزة جداً. فالآب ليس هو الابن، والروح القدس ليس هو الآب ولا الابن. فلجميعهم أدوار مختلفة يؤدونها عن طيب خاطر وبسرور. فالابن يخضع للآب في رضا وسرور. ثلاثتهم لهم نفس الجوهر لكن شخوص مختلفة تماماً.

تنص قانون الإيمان الأثناسيوسى على:

24. فإذاً هنالك آب واحد، وليس ثلاثة آباء، ابن واحد، وليس ثلاثة أبناء، روح قدس واحد، وليس ثلاثة أرواح قدس.

25. وفي الثالوث، ولا واحد سابق، أو لاحق لآخر، ولا واحد أعظم أو أدنى من الآخر.

ومن ثم تكمل العقيدة للتطرق بشأن تجسد الابن وكيف أنه وُلِد من امرأة، وهكذا آخذاً على نفسه بشرية فعلية. وفي بشريته، فإن يسوع “مساوٍ للآب من حيث ألوهيته، وأدنى من الآب من حيث إنسانيته” (33)

2) في بشريته، الابن أقل من الآب

المسيح واحد مع الآب، مساوٍ له في الجهور والقدرة والكرامة. لكن المسيح أيضاً شخص مختلف عن الآب ويخضع بإرادته للآب؛ وبهذا المعنى يكون الآب أعظم منه. فالآب أرسل الابن إلى العالم ليفدي العالم، وليس العكس. في إنسانيته، لم يفعل المسيح أي شيء لم يأمره الآب به. فكل ما فعله المسيح وعلّم به كان من الآب.

لكن كون الآب أعظم من الابن من حيث الخضوع والطاعة لا يعني أن الآب أعظم من الابن في الجوهر.

فالمسيح أطاع والديه البشريين، مريم ويوسف، بالرغم من كونه أعظم منهما دون حدود. لكن كابن، استمع لوالديه، فكانا أعظم منه. كثيراً ما ذكّر يسوع المسيح أتباعه أن عليهم أن يصبحوا خادمين للجميع إذا أرادوا أن يكونا عظماء في ملكوت الله. “… مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ عَظِيماً بَيْنَكُمْ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، وَأَيُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ أَوَّلاً فِيكُمْ، فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، فَهَكَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ: قَدْ جَاءَ لَا لِيُخْدَمَ، بَلْ لِيَخْدِمَ وَيَبْذُلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ(متى 20: 26-28). وهكذا نرى أن المسيح خدم تلاميذه، وبذلك المعنى، كان تلاميذه أعظم منه.

يتم توضيح هذه الفكرة بشكل جميل قبيل أصحاح واحد من قول ربنا يسوع المسيح أن الآب أعظم منه. إذا يتم إعلامنا أن يسوع “وَكَانَ يَسُوعُ عَالِماً أَنَّ الآبَ قَدْ جَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مِنَ اللهِ خَرَجَ وَإِلَى اللهِ سَيَعُودُ، نَهَضَ عَنْ مَائِدَةِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ رِدَاءَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً لَفَّهَا عَلَى وَسَطِهِ، ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي وِعَاءٍ لِلْغَسْلِ، وَبَدَأَ يَغْسِلُ أَقْدَامَ التَّلامِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي عَلَى وَسَطِهِ(يوحنا 13: 3-5). نرى هنا أنه كان ليسوع “كل شيء” معطىً من الله، مما يجعل الله الآب أعظم منه. ومن ثم جعل نفسه خادماً للخادمين معه، جاعلاً أتباعه أعظم منه. فبالرغم من أنه كان أعظم منهم إلا أنه جعل نفسه أدنى منهم.

يذكرنا الرسول بولس بأن المسيح “أَخْلَى نَفْسَهُ، مُتَّخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً شَبِيهاً بِالْبَشَرِ؛ وَإِذْ ظَهَرَ بِهَيْئَةِ إِنْسَانٍ، أَمْعَنَ فِي الاِتِّضَاعِ، وَكَانَ طَائِعاً حَتَّى الْمَوْتِ، مَوْتِ الصَّلِيبِ.” (فيلبي 2: 7-8). فبالرغم من أنه كان أعظم من الكل لكنه جعل نفسه أدنى من الجميع. يسوع المسيح نفسه قال أن “للِلثَّعَالِبِ أَوْجَارٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ؛ أَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ، فَلَيْسَ لَهُ مَكَانٌ يُسْنِدُ إِلَيْهِ رَأْسَهُ(متى 8: 20). أما فيما يتعلق بتواضع المسيح، فيقول الرسول بولس: “أفَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ: فَمِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ، وَهُوَ الْغَنِيُّ لِكَيْ تَغْتَنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ(2 كورنثوس 8: 9).

فإذاً، نرى أن قوة وقدرة يسوع المسيح في طاعته للآب. كما لو قال: “أنا أطيع الآب وليس العكس. ولا أطيق الانتظار للعودة إلى حضوره المباشر. وعليكم أن تفرحوا من أجلي إذ أعود إليه. ولا تنسوا أنني سأعود ثانية، وسوف أخذكم معي إلى الآب.”

وهكذا نرى، أن في ألوهية المسيح هو مساوٍ للآب، لكن في بشريته الآب أعظم منه. أًصبح المسيح أدنى من الآب لكي ما يعيدنا ويقودنا إلى الآب. أصبح المسيح أقل من الآب من أجلك أنت.

إذا كنت ترغب في معرفة كيف تستعيد علاقتك مع الآب من خلال يسوع المسيح، تواصل معنا اليوم.

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8