المشاعر والألم في حياة المؤمن

ما هو دور المشاعر في حياة المؤمن؟ إلى أي مدى نستطيع السماح للمشاعر أن “تتحكم بنا”؟

كنت أجلس قبالة امرأة مسنة تشارك بدموع كيف قام الطبيب أثناء جراحة خضعت لها مؤخراً بقطع أحد الأعصاب في رقبتها عن طريق الخطأ. وكانت النتيجة أنها ستعاني من آلام  مزمنة طوال حياتها. وكانت تشرح كيف صارعت مع هذا الواقع الجديد وتساءلت لماذا سمح الله بحدوث هذا. “لكن” قالت المرأة “يعطينا الله فرحاً في وسط الألم والأسى. فرح الله أكثر من كافٍ للتعويض عن ألمي”.

فيما أنا أصغي لما تقوله هذه السيدة عن ألمها وصلاح الله، تساءلت في نفسي عن دور المشاعر في حياة المؤمن؟

ما هي كمية الدموع التي يمكننا أن نذرفها قبل أن نذكّر المحيطين بنا بأننا لا نزال نؤمن بأن فرح الله أعظم من الألم الذي نشعر به؟ ما هو مقدار الألم الذي يمكننا احتماله عالمين أن “جميع الأمور تعمل معاً للخير(رومية 8: 28)؟ كم مرة يمكننا أن نذكر شعورنا بالوحدة عالمين أن المسيح قال أنه لن يتركنا ولن يتخلى عنا (عبرانيين 13: 5)؟

حرية الشعور

أؤمن أن اتباع المسيح يساعدنا فعلاً على اختبار المشاعر والأحاسيس بعُمق وصدق أكثر من أي ديانة أخرى أو منظور عالمي.

غالباً ما يحاول مشرعو الأديان تجاهل وكبت المشاعر والأحاسيس. إذ يعتقدون أن التعبير عن المشاعر ما هو إلا إظهار لعدم الإيمان بالله والتصديق بقدرته. فيعتقدون أن الله هو المسيطروينبغي أن تتم مشيئته، وأنه معنا وليس ضدنا. لذلك، لا يوجد أي داعِ للشعور بمشاعر الخسارة العميقة والألم. فإظهار الكثير من المشاعر خلال الصعوبات ما هو إلا علامة بأنك لا تثق بالله كفاية.

من جانب آخر، بالإضافة إلى المتدينين نرى العلمانيون الذين يجدون أنفسهم منغمسين في مشاعرهم وأحاسيسهم. هؤلاء غير قادرون على تخطي مشاعرهم وسينفجرون في وجه كل مَن يزعج مشاعرهم. كما تسيطر عليهم مشاعرهم لدرجة تمنعهم من رؤية ما هو أبعد من أنفسهم فلا يحتملون أي شخص “لا يوافقهم”.

في كلتا الحالتين، أياً كانت الجهة التي تنتمي إليها، فإن مشاعرك تسيطر عليك تماماً وتتحكم فيك. سواء كنت تنكرها وتتجاهلها وتكبتها وبالتالي تكون غير قادر على الاعتراف بما تختبره، أو إن كانت تتحكم فيك علناً بمطالبتك بإشباعها دوماً الأمر الذي يجعلك تنهار تماماً إن أهملتها أو استخففت بها أو قمت باستغلالها بأي طريقة كانت.

لكن في المسيح، ليس علينا أن ننكر مشاعرنا أو أن نسمح لها بالتحكم فينا والسيطرة علينا. إذ لدينا الحرية والحق بأن نشعر بعُمْق بما نختبره. يمكننا الاعتراف بالألم والوحدة والارتباك والحزن والخوف والأسى دون الانسحاق تحت أي منها. يمكننا أن نشعر بهذه المشاعر وأن نعبر عنها عالمين أنها ليست جوهرية. فهذه المشاعر لا تشكّل هويتنا وبالتالي لا يمكننا نقنط/نيأس بسببها.

في المسيح، لدينا الحرية للغوص عميقاً في مشاعرنا بدون أن نخسر أنفسنا فيها. يمكنن أن ننفذ إلى مشاعرنا دون أن نغرق فيها. لسنا مضطرين للتظاهر بعدم الألم أو اللامبالاة، وليس علينا أن نتجاهل مشاعرنا أو أن نسمح لها بالتحكم فينا. لكن يمكننا أن نشعر بمشاعرنا العميقة دون خجل وأن نختبر المشاعر الإنسانية الحقيقية.

طريق ثالثة:

 غياب المشاعر هو التبلّد، والله لم يخلق شعباً فاقداً للإحساس. الله لا يعارض مشاعرنا، فالمسيح نفسه كان إنساناً حقيقياً لم يختبر المشاعر الحقيقية فحسب بل كشف عنها بانفتاح.

يعلم الكتاب المقدس ان المسيح كان “رجل أحزان ومُختَبر الحزن”. لم يكن فاقد الحس لمشاعره، ولم يكن بلا مشاعر، ولم يكبت مشاعره، بل كان “متعرفاً” عليها (إشعياء 53: 3).

عندما رأى المسيح مريم وأصدقاءها يبكون أخيها المتوفى، تحرّكت مشاعر المسيح و”انزعج” واضطرب(يوحنا 11: 33، 38). اختبر المسيح ألم موت صديقه ورأى الجميع اضطرابه بسبب ذلك بوضوح.

عند موت صديقه، بكى المسيح علانية ولم يختلق الأعذار لتبرير دموعه ولم يحاول إخفاءها أو أن يستخف بها. اختبر المسيح الحزن والخسارة اللذين جعلاه يبكي علناً (يوحنا 11: 35).

اختبر المسيح الخوف من الألم المستقبلي والمعاناة أثناء مسيرته نحو الصليب ليُصلَب. يعلم الكتاب المقدس أن هذا الخوف من الألم القادم جعله يصرخ بلجاجة فيما هو يصلي لله (لوقا 22: 44).

عبّر المسيح عن إحساسه القوي بالخوف أمام تلاميذه إذ أخبرهم “نفسي حزينة جداً حتى الموت(متى 26: 38).

أثناء موت المسيح كذبيحة كفّارية عن خطايا العالم عرف رعب هجر الله له وصرخ “لماذا تركتني؟” (متى 27: 46).

كان المسيح مرهقاً جسدياً أحياناً لدرجة أنه لم يكن سينجح متكلاً على نفسه لولا مساعدة الملائكة التي خدمته بطريقة فوق طبيعية (متى 4: 11؛ لوقا 22: 43). كان المسيح بحاجة لمساعدة الآخرين.

لم يخَف المسيح من الإفصاح عن ضعفه مع مَن حوله ولم يخشى من الاعتراف بقلقه والمشاركة مع أصدقائه (متى 26: 36-38).

أراد المسيح، في إنسانيته، أن يتجنب الألم الجسدي لو أمكن. فهو لم يكن من الرواقيين الذين ينكرون ألم المعاناة. بل طلب أن يُزال عنه لكنه سلّم لمشيئة أبيه السماوي الصالحة (متى 26: 39).

عرف المسيح معنى أن يتم تجاهله من قِبَل المحيطين به ”مُحتَقَر ومخذولٌ من الناس(إشعياء 53: 3).

سيخبرك العالم إما أن تتجاهل ألمك أو أن تستلم له، لكن المسيح يقدم لنا طريقاً ثالثة. فالقدوة التي قدمها المسيح تمكّننا من أن نعيش تجربة آلامنا دون  السماح لها بالتحكم بنا.

إن كنت ترغب بالتعرف على المسيح بشكل شخصي لكي تتغير إلى صورته، تواصل معنا اليوم ونحن سنساعدك.

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8