الوصيتين الأعظم

في زمن المسيح، كره القادة الدينيون المسيح جداً إذ شعروا بالتهديد من المسيح فازدروا بتعاليمه. بالنسبة لهم، شعروا وكأن المسيح يقلب شريعة الله المُعطاة لهم من موسى، إلا أن المسيح قال تحديداً أنه لم يأتِ لينقض شريعة موسى بل ليتممها (متى 5: 17).

في تتبعنا لحياة المسيح المسرودة في إنجيل متى، نرى كيف كرهه القادة الدينيون في زمنه واتهموه بكل الاتهامات الشريرة وحاولوا الإيقاع به بجدالات ذكية وخدع دينية قانونية.

اتهم القادة الدينيون المسيح بالتجديف (كفر) (متى 9: 3)، واتهموه بعقد صداقات مع الخطاة (9: 11)، واتهموه بالسماح لتلاميذه بكسر شريعة موسى (12: 2). كما تآمروا لقتل المسيح لأنهم ظنوا أنه هو نفسه يكسر شريعة موسى (12: 14). اتهموا المسيح بعمل المعجزات بقوة الشيطان (12: 24). اتهموه بالسماح لتلاميذه بخرق تقاليد الآباء (15: 2). ولم يؤمنوا بتعاليمه ولا بالآيات والعجائب التي كان يصنعها واستمروا في المطالبة بالمزيد من العجائب منه (16: 1). حاولوا الايقاع به بطرح أسئلة صعبة حول الطلاق (19: 3). لم يؤمنوا أنه كان مُرسَلاً من الله وتحدّوا سلطانه (21: 23). كره هؤلاء القادة الدينيون وتآمروا للقبض عليه (21: 46) وحاولوا الايقاع به سياسياً ليلقي الرومان القبض عليه (22: 15)، كما حاولوا استخدام المسيح كأداة لمهاجمة منافسيهم الدينيين (22: 23).

والآن، بعد كل هذا، جاء هؤلاء القادة الدينيون إلى المسيح مرة ثانية لمحاولة الإيقاع به. فنتابع القصة كما يرويها الرسول متى في إنجيله.

“…وَسَألَهُ خَبِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ مُحَاوِلًا الإيقَاعَ بِهِ فَقَالَ: «يَا مُعَلِّمُ، مَا هِيَ أعْظَمُ وَصِيَّةٍ فِي الشَّرِيعَةِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «‹تُحِبُّ الرَّبَّ إلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَبِكُلِّ نَفْسِكَ، وَبِكُلِّ عَقلِكَ،هَذِهِ هِيَ الوَصِيَّةُ الأُولَى وَالعُظمَى، أمَّا الوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ كَالأُولَى: ‹تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ.› الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا وَكُتُبُ الأنْبِيَاءِ تَتَعَلَّقُ بِهَاتَيْنِ الوَصِيَّتَيْنِ(متى 22: 34-40).

احتوت شريعة موسى ما يزيد عن ستمائة وصية ليتممها شعب الله. لكن المسيح يخبرنا هنا أن كل الشريعة وتعاليم الأنبياء تتلخص في هاتين الوصيتين “أحب الله وأحب قريبك“.

قد يبدو هذا للوهلة الأولى سهل التحقيق، إذ نميل للتفكير بأن “الأمر الوحيد الذي ينبغي بي فعله هو أن أحب الله من كل قلبي وأن أحب قريبي كما أحب نفسي. أمر سهل؟!.

في الواقع، هاتين الشريعتين الأساسيتين اللتان تبدوان سهلتين سطحياً يستحيل تحقيقهما. فإن فهمناهما حقاً فإنهما تشيران إلى المسيح لخلاصنا. فهاتين الوصيتين القصيرتين تظهر لنا مدى حاجتنا للمخلّص.

لنلقِ نظرة مقربة على الوصية الأولى: “أَحِبّ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وَكُلِّ نَفْسِكَ وَكُلِّ فِكْرِكَ.”

عندما أتفحص حياتي وأفكاري وسلوكي ودوافعي ورغباتي، لم توجد لحظة أحببت فيها الله من كل قلبي أو فكري أو نفسي. محبتي لله مختلطة دائماً برغبات أنانية وحوافز خاطئة وكسل وشك وكبرياء. أفشل في كل لحظة من حياتي في المحافظة على هذه الوصية. أن أحب الله تماماً يعني أن لا أكسر أياً من وصاياه في الفكر أو القول أو الفِعل. يعني أن أعيش حياة تسليم كامل له في كل لحظة من حياتي. لا أحد على الأرض كلها يستطيع أن يطيع هذه الوصية الأولى تماماً.

ماذا بشأن الوصية الثانية: “تُحِبُّ صَاحِبَكَ كَمَا تُحِبُّ نَفْسَكَ“! لا بد وأن تكون هذه أسهل.

هذه الوصية عن محبة قريبي تغلبني أيضاً. أرى أن هذه الوصية جيدة، فهذا هو نوع المحبة التي أتوقعها من الآخرين. لكن يستحيل إعطاؤها للآخرين. فأنا لم أحب حقاً أي شخص آخر كما أحب نفسي، فلو كنت أحببت الآخرين كما أحب نفسي لما أسأت إلى أيٍّ منهم، ولما كذبت أو سرقت أو تلاعبت أو استغليت أياً منهم. لو كنت أحببتهم لما كنت نسيت بشأنهم أو تجاهلت مكالماتهم أو غضبت منهم أو حملت ضغينة ضد أي منهم أو انتقمت منهم. لو كنت أحببتهم لما كنت حكمت عليهم بسرعة أو تكلمت عنهم من وراء ظهورهم. هل بدأت بإدراك صعوبة الوصية الثانية؟ أنا أكسر هذه الوصية مثل الأولى آلاف المرات في كل يوم.

أعظم أمر في الإنجيل هو أن الله لم يتركنا لنبرر طريقنا إلى السماء بهذه الوصايا. فالإنجيل يعلمنا كلمة أفضل من الشريعة، فالشريعة تملي علينا ما يجب علينا فعله أو عدم فعله لكنها لا تعطينا القوة التي نحتاجها لإطاعة فرائضها.

لكن الله في محبته العظيمة لنا فعل كل ما عجزت عنه الشريعة. إذ أرسل الله ابنه، يسوع المسيح، ليولد تحت الشريعة (رومية 8: 3-4). وأطاع المسيح الشريعة بالتمام وأحب الله من كل قلبه وفكره ونفسه. لم يأتِ المسيح لينفذ مشيئته الخاصة بل مشيئة الآب السماوي (يوحنا 6: 38). كما احب المسيح كل إنسان في هذا العالم أكثر مما أحب نفسه إذ ضحى بحياته كذبيحة كفارية من أجل خطاياهم (يوحنا 15: 13). فالموت الذي استحققناه هو ناله طوعاً، ومنحنا الحياة التي عاشها لكي نحيا إلى الأبد مع الله في السماء.

الوصيتين العظميين صالحتان وعلينا أن نبذل جهدنا لنحيا بحسبهما، لكن لا ينبغي أن نعتمد عليهما لخلاصنا، فرجاؤنا في الخلاص والقبول عند الله هو في عمل المسيح الكامل من أجلنا.

إذا كنت ترغب بالتعرف على المسيح مخلصاً لك، تواصل معنا الآن.