من كان الرسول بطرس؟

وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ يَمْشِي عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةِ الْجَلِيلِ، رَأَى سِمْعَانَ وَأَخَاهُ أَنْدَرَاوُسَ يُلْقِيَانِ الشَّبَكَةَ فِي الْبُحَيْرَةِ، فَقَدْ كَانَا صَيَّادَيْنِ. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «هَيَّا اتْبَعَانِي، فَأَجْعَلَكُمَا صَيَّادَيْنِ لِلنَّاسِفَتَرَكَا شِبَاكَهُمَا وَتَبِعَاهُ. (مرقس 1: 16-18)

كان بطرس صياداً بسيطاً من شمال إسرائيل بالقرب من بحر الجليل. دعا الرب يسوع بطرس وأخيه أندَراوُس وأخبرهما أنما إذا تبعاه فإنه سيجعلهما صيّادي ناس. ترك بطرس شباكه وكل شيء آخر وتبع الرب يسوع لباقي أيام حياته (مرقس 10: 26).

في الأناجيل الأربعة، يبرز بطرس أكثر من أي تلميذ آخر، طارحاً أسئلة أكثر من كل الأحد عشر مجتمعين، ويبرز كقائد ومتحدِّث في وسط مجموعة الاثني عشر.

تمتع بطرس بعلاقة مميزة جداً وحميمة مع الرب يسوع، ومن بين الاثني عشر تلميذاً كان بطرس واحداً من دائرة أصدقاء الرب يسوع المقرَّبين. شفى الرب يسوع حماة بطرس من مرضها (مرقس 1: 29-31)، وأخذ بطرس ويعقوب ويوحنا ليشاهدوا إقامته لصبية شابة من الموت (مرقس 5: 35-43). ومرة ثانية مع يعقوب ويوحنا، شاهد بطرس الرب يسوع يتجلّى بمجد على جبل التجَلّي وسمع صوت الله الآب قائلاً: “ههَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا(مرقس 9: 2-13).

اعترف بطرس بجرأة أن الرب يسوع هو “الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ“. بعد اعترافه هذا، غيّر الرب يسوع اسمه من سِمعان إلى بطرس، الذي يعني “صخرة” (متى 16: 13-20). انتهر الرب يسوع بطرس عندما حاول إقناعه بألا يموت على الصليب (متى 16: 12-23). مشى بطرس على الماء مع الرب يسوع (متى 14: 22-33)، ولم يرغب بأن يغسل الرب يسوع له قدميه (يوحنا 13: 6-9)، وقطع أذن خادم رئيس الكهنة في محاولته لحماية الرب يسوع من القبض عليه على يد اليهود (يوحنا 18: 10). بعد القبض على الرب يسوع، أنكره بطرس ثلاث مرات (لوقا 22: 54-62). بعد القيامة، أعاد الرب يسوع بطرس قائداً للكنيسة وتنبّأ بأن بطرس سيموت يوما ما بسبب اتباعه له (يوحنا 21: 15-19).

بعد قيامة الرب يسوع من بين الأموات وصعوده إلى السماء، نرى بطرس يتحول إلى واعظ عظيم وقائد في الكنيسة، مستعداً لتحمُّل الاضطهاد لأجل بشارة الإنجيل.

في يوم الخمسين، وقف بطرس ممتلئاً من الروح القدس أمام جمع من آلاف الناس ووعظ بشارة الرب يسوع بأنه المسيح، مخلص العالم، الذي تنبّأ عنه الأنبياء القدماء، وعن غفران الخطايا من خلال الإيمان به. بعد أن أكمل عظته، آمن حوالي ثلاثة آلاف رجل في يسوع المسيح (أعمال الرسل 2).

شفى بطرس رجلاً أعرج منذ ولادته قائلاً: “لا فِضَّةَ عِنْدِي وَلا ذَهَبَ، وَلَكِنِّي أُعْطِيكَ مَا عِنْدِي: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ(أعمال الرسل 3: 1-10). بعد أن وعظ بشارة الإنجيل بجرأة، هدد القادة الدينيون باعتقال بطرس إذا استمر بالوعظ عن الرب يسوع بأنه المسيح. لكن بطرس قال: “احْكُمُوا أَنْتُمْ: أَمِنَ الْحَقِّ أَمَامَ اللهِ أَنْ نُطِيعَ أَمْرَكُمْ لَا أَمْرَ اللهِ؟ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَكُفَّ عَنِ التَّحَدُّثِ بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا.” (أعمال الرسل 4: 19-20).

بعد أن ضُرب من قادة الدين لوعظه عن المسيح مخلصاً ورباً، “وَلَكِنَّ الرُّسُلَ خَرَجُوا (بطرس والأتباع الآخرين) مِنَ الْمَجْلِسِ فَرِحِينَ لأَنَّهُمُ اعْتُبِرُوا أَهْلاً لأَنْ يَلْقَوْا الإِهَانَةَ مِنْ أَجْلِ اسْمِ يَسُوعَ(أعمال الرسل 5: 41). ظهر الرب يسوع لبطرس في رؤية حيث أخبره أن كل الطعام أصبح يُعتَبر الآن طاهراً من الله وأنه لم يعد هناك بعد أي تمييز بين اليهود والأممين في ملكوت الله (أعمال الرسل 10).

وبعد أن قطع هيرودس رأس الرسول يعقوب، ورأى أن الأمر يُرضي اليهود، أُلقي القبض على بطرس أيضًا وأُودع السجن لأنه كان يبشر بالإنجيل. حرسه السجانون بحرص، لكن ملاك الله قاده إلى خارج السجن دون أذى (أعمال الرسل 12: 1-18).

نقرأ في غلاطية 2: 11-14 وأعمال الرسل 15 أن بطرس كان في كنيسة أنطاكية، الكنيسة الأولى بين الأمميين. برزت مجموعة من المسيحيين اليهود من أورشليم معلمين أنه لكي تصبح مسيحياً فيجب أن تختتن. خاف بطرس من أنه إذا استمر بالاختلاط مع الأمميين غير المختتنين فإنه سيفقد تأثيره بين اليهود وهكذا انسحب من بين المؤمنين من الأمم. اضطر بولس الرسول لمواجهته وجهاً وجه وتذكيره بأننا مخلَّصون بالنعمة بالإيمان بيسوع المسيح وليس بإطاعة شريعة موسى.

بعد ما يقرب من 10 سنوات من صعود الرب يسوع إلى السماء، ارتحل بطرس إلى روما حيث أعلن جهاراً بشارة الإنجيل. حث الناس مرقس، أحد رفاق بطرس لفترة طويلة، بأن يكتب ما يتذكره بطرس عن حياة الرب يسوع، وهكذا منحنا إنجيل مرقس.

أثناء وجوده في روما، سُجن بطرس خلال حكم الامبراطور نيرو، حوالي سنة 64 بعد الميلاد. في فترة سجنه، كتب بطرس الرسائل التي نعرفها باسم رسالتي بطرس الأولى والثانية. في رسائله، عرّف بطرس نفسه بأنه خادم ورسول ليسوع المسيح مذكراً المؤمنين المتألمين حول العالم بأن لا يتفاجأوا من الصعوبات التي يواجهونها بسبب اتباعهم ليسوع المسيح. يخبرهم أن لا يخجلوا بالتألم كونهم مسيحيين. يخاطب بطرس شيوخ الكنائس بأن يدعو نفسه شيخًا معهم، ويشجع القادة على عدم القيادة تحت الإجبار أو الكسب المخزي، وعدم التحكم في الناس تحت قيادتهم، وإنما أن يقودوا (يخدموا) طواعية ليكونوا قدوة للشعب الذي ائتمنهم عليه الله. يخبرهم أن يعيشوا حياة التواضع وأن يسمحوا لله بأن يرفعهم. ويذكرنا جميعاً بأن نطرح كل مخاوفنا على الله لأنه يعتني بنا.

لا يورد الكتاب المقدس موت بطرس. فكل سجلات تاريخ الكنيسة الأولى تشير إلى أن بطرس قد صُلِب. يسجل “إيوسيبوس” (مؤرخ من الكنيسة الأولى) شهادة “كليمنت” (راعي كنيسة من الكنيسة الأولى)، الذي قال إنه قبل صلب بطرس، أُجبِر على مشاهدة صلب زوجته. وفيما هو يشاهدها تُساق لحتفها، ناداها بطرس باسمها قائلاً “تذكري الرب”. وعندما حان وقت بطرس ليموت، توسل لأن يُصلَب رأساً على عقب لأنه لم يكن مستحقاً لأن يموت مثلما مات ربه. وهكذا، سُمِّر (بالمسامير) على صليب ورأسه إلى الأسفل. مات بطرس شهيداً لأجل المسيح، تماماً مثلما تنبأ الرب يسوع قبل 34 عاماً.

أصبح بطرس الصياد صياداً للناس، وقاد كنيسة المسيح الجديدة تحت الألم والاضطهاد. غيّر الرب يسوع حياته تماماً، وهو يبقى قدوة لنا لمعنى القيادة بتواضع والثقة بالله برغم أقسى الآلام.