محبة الله أوسع من غضبه

معرفة الله هو أعظم سعي يمكن لإنسان المشاركة فيه. لقد خُلِقنا لنعرف الله، وخُلِقنا لنكون في علاقة معه، وخُلِقنا لنتمتع بوجوده إلى الأبد.

كلما تعلمنا أكثر عن الله نكتشف أنه قدوس أي أنه كامل في كل شيء ولا نقصان فيه، ولا شر فيه. فالله نور وفيه لا وجود للظلمة أبداً (1يوحنا 1: 5). كل صفات الله كاملة، فرحمته كاملة وعدله كامل، ومعرفته كاملة وطُرُقه كاملة. كل صفات الله تتحدد بناء على قداسته، فلا نقصان فيها ولا عيب في طبيعته.

واحدة من أهم صفات الله هي محبته، إذ يعلمنا الكتاب المقدس أن “الله محبة(1يوحنا 4: 8، 16). فالمحبة صفة تكشف عن الله. لا يُذكر في أي موضع في الكتاب المقدس أن الله “غضوب”. قد يغضب الله لكن غضبه يكون في موضع يختلف عن محبته. فغضب الله صفة ضرورية لله لأنه قدوس لكن غضبه لا ينبع بتلقائية منه مثل محبته. المحبة ليست بالضرورة جزءاً من كمال الله لكنها تنبع منه مثل الماء الذي يخرج من الينبوع. فمحبة الله جزء لا يتجزأ عن شخصه.

هنالك صواب معقول في كون محبة الله أعظم من غضبه الشديد. فمحبة الله تشمل الرحمة التي يصفها الكتاب المقدس بأنها لا تنتهي. فالعهد القديم يخبرنا 50 مرة على الأقل أن رحمة الله تدوم إلى الأبد! وما هذا إلا دليل على أن رحمة الله أعمق من غضبه.

ربما يمكن التعبير عن هذا بطريقة أخرى؛ تنبع محبة الله من قلبه بسلاسة حرة فيما غضبه لا. يقول الله على لسان نبيه “أنَا لَا أُسَرُّ بِمَوْتِ أحَدٍ، فَعُودُوا إلَيَّ وَاحْيَوْا.» يَقُولُ الرَّبُّ الإلَهُ(حزقيال 18: 32). ومرة أخرى يقول “قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لَا أَبْتَهِجُ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ بَلْ بِأَنْ يَرْتَدِعَ عَنْ غِيِّهِ وَيَحْيَا. ارْجِعُوا، ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمِ الرَّدِيئَةِ! لِمَاذَا تَمُوتُونَ؟“ (حزقيال 33: 11). كما قال النبي إرميا عن الله “لِأنَّهُ وَلَوْ ابتَلَى يُظهِرُ الرَّحمَةَ أيْضًا، بِحَسَبِ فَيضِ مَحَبَّتِهِ الثَّابِتَةِ. لِأنَّهُ لَا يُؤذِي وَلَا يُحْزِنُ أحَدَا عَنْ طِيبِ خَاطِرٍ.(مراثي إرميا 3: 32، 33). الكلمة ”يُؤذِي“ في اللغة الأصلية تعني حرفياً أن الألم لا يصدر من قلب الله مثل محبته.

في سفر إشيعاء، يقول الله ما يلي: “لَيْسَ لِي غَيْظٌ(27: 4). في المقابل، تنبع المحبة تلقائيا من أعماق قلب الله، كما أنها أبدية. غالباً ما يصف الكتاب المقدس الله بالقول “اٱلرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ(مزمور 103: 8). هذا هو شخص الله.

يعلمنا العهد الجديد أن الله “يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ(1تيموثاوس 2: 4). لاحظ سياق هذا المقطع، فالأصحاح (الفصل) يبدأ بقول الرسول بولس “فَأَطْلُبُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقِيمُوا الطِّلْبَاتِ الْحَارَّةَ وَالصَّلَوَاتِ وَالتَّضَرُّعَاتِ وَالتَّشَكُّرَاتِ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلأَجْلِ الْمُلُوكِ وَأَصْحَابِ السُّلْطَةِ، لِكَيْ نَعِيشَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً كُلِّيَّةَ التَّقْوَى وَالْوَقَارِ. فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ جَيِّدٌ وَمَقْبُولٌ فِي نَظَرِ اللهِ مُخَلِّصِنَا، فَهُوَ يُرِيدُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَخْلُصُوا، وَيُقْبِلُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ (1تيموثاوس 2: 1-4).

الآن، انظر إلى كامل السياق ولاحظ من الآيتين الأولى والثانية أن مصطلح “جميع الناس” يشير إلى الناس من كل الأعمار والفئات والطبقات والأمم. بكلمات أخرى، جميع الناس بلا استثناء. فالله ليس إله فئة معينة من الناس، لذا علينا أن نصلي أن يعرف جميع الناس في كل مكان الله. فشخص الله هو الذي يطلب ان يخلص الجميع وأن يعرفوا الحق بدلاً من أن يستمروا في عصيانهم ضد الله فيخضعوا لدينونته. فلو افترضنا أن الله يريد شيئاً آخر، فالمنطق العقلاني يفرض أنه سيُسَرّ في دمار خليقته، وبهذا لن يكون هو الله المُحِب الذي يعلم عنه الكتاب المقدس.

لذا، يعلم الكتاب المقدس أن الله يُظهِر المحبة في هيئة اللطف والنعمة للجميع بما فيهم أعداؤه.  ولهذا السبب عينه أوصانا المسيح بأن نحب أعداءنا قائلاً: “فَتَكُونُوا بِذَلِكَ أبْنَاءَ أبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. لِأنَّ اللهَ يَجْعَلُ الشَّمْسَ تُشْرِقُ عَلَى الخُطَاةِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُرسِلُ المَطَرَ إلَى الأبْرَارِ وَالأشْرَارِ.” (متى 5: 45).

يعبّر الله عن رحمة محبته لكل مخلوق.  وبالرغم من عِظَم محبة الله وامتدادها إلا أنها لا تُلغي تلقائياً غضبه. تذكر أن محبة الله تجلّت في إرسال ابنه إلى العالم لكي نحيا. وهذا هو الهدف الأسمى. فقد قال المسيح نفسه: “فَاللهُ لَمْ يُرْسِلِ ابْنَهُ إلَى العَالَمِ لِكَي يَدِينَ العَالَمَ، لَكِنَّهُ أرسَلَهُ لِكَي يُخَلِّصَ بِهِ العَالَمَ(يوحنا 3: 17). وفي مرة أخرى قال المسيح: “فَأنَا لَمْ آتِ لِكَي أحْكُمَ عَلَى العَالَمِ، بَلْ جِئْتُ لِأُخَلِّصَ العَالَمَ(يوحنا 12: 47). وأيضاً قال المسيح عن نفسه “ابْنَ الإِنْسَانِ أَتَى لَا لِيُهْلِكَ نُفُوسَ الَّنَاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَهَا(لوقا 9: 56).

جاء المسيح في إرسالية محبة، وليس إرسالية دينونة وتخويف. فمحبة الله أعظم من غضبه.

إن كنت ترغب بمعرفة المزيد عن محبة الله لك، تواصل معنا اليوم.