ما هو العشاء الرباني؟

وَإِذْ أَخَذَ يَسُوع رَغِيفاً، شَكَرَ، وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «هَذَا جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ لأَجْلِكُمْ. هَذَا افْعَلُوهُ لِذِكْرِي!» وَكَذلِكَ أَخَذَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَقَالَ: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ لأَجْلِكُمْ.(لوقا 22: 19-20)

واحدة من الأمور التي تعرّف ديانة ما هي الفرائض والشعائر والأزياء الواجب اتباعها. قد يكون غطاء الشعر للنساء أو الاغتسال الشعائري قبل الصلاة، أو الأضحيات الحيوانية، أو تقديم الصدقة أو الصوم لأيام معينة أو شهور محددة أو أوقات للاحتفالات. كل هذه الشعائر دارجة عند جميع الديانات.

عندما جاء يسوع المسيح وبدلاً من أن يضيف المزيد من الشعائر والفرائض لشعب الله أزالها جميعاً تاركاً فريضتين فقط ليلتزم بها شعبه: المعمودية والعشاء الرباني.

تأملنا في موضوع المعمودية في مقالة أخرى، وهنا سنسلط الضوء على العشاء الرباني. لفهم ماهية العشاء الرباني علينا أن نعود إلى الوراء في الزمن غلى حوالي 1500 عام قبل ميلاد المسيح. كان شعب الله مستعبداً في مصر لمدة تقارب 400 عاماً، فأقام الله موسى ليقود شعبه إلى أرض الوعد ويحررهم من العبودية. إلا أن فرعون لم يستطع إطلاق شعب الله، فضرب الله أرض مصر بعشر أوبئة. الأخيرة منها كانت ملاك الموت. لكن الله كان قد أعد خطة لتخليص شعبه من العقاب الذي كان على وشك أن يطلقه في كل أرجاء مصر.

أخبر الله موسى أن يأمر كل عائلة بأخذ حَمَل بلا عيب لتقديمه كأضحية ورش دمه على عتبة باب كل بيت. الدم على الباب سيدل على أن كل الذين في البيت المغطّى بالدم ينتمون لله وسيخلصون من ملاك الموت. الدم على الباب يرمز لخلاصهم. عندها، توجّب على كل عائلة أن تأكل الحَمَل المذبوح معاً على أن هذه الوليمة دائمة على مدى الأجيال. ففي السنوات التالية عندما يسأل الأطفال “آبائهم لماذا يفعلون هذا؟” فإنهم سيجيبون “هذا يمثّل فِصْح الرب، عندما عبر عنا ولم يهلكنا، بل خلّصَنا من العبودية في مصر”. هذه الوليمة التي يقيمها شعب الله ستمثّل في كل عام معناها الذي يشير إلى المسيح الذي سيخلّص شعبه بدم الذبيحة الأفضل من عبودية الخطية والموت ويقودهم إلى أرض الوعد وهي مملكة الله.

بهذا الإرث التاريخي، احتفل المسيح بالفِصح مع تلاميذه في الليلة التي سبقت صلبه. وفيما هو يحتفل معهم، وضع معنى جديداً لوليمة الفِصح. المعنى الجديد كان أعمق واغنى من ذلك الذي وضعه موسى. ففيما كان المسيح جالساً مع تلاميذه قال: “اشْتَهَيْتُ بِشَوْقٍ أَنْ آكُلَ هَذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ…وَإِذْ أَخَذَ يَسُوع رَغِيفاً، شَكَرَ، وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «هَذَا جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ لأَجْلِكُمْ. هَذَا افْعَلُوهُ لِذِكْرِي!» وَكَذلِكَ أَخَذَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَقَالَ: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ لأَجْلِكُمْ.(لوقا 22: 15، 19-20)

نسمّي هذا “العشاء الرباني” إذ له معنى عميق بالنسبة لنا في هذا الزمن. سنتمعن في ثلاثة جوانب من العشاء الرباني ومعانيها بالنسبة لنا.

الماضي: “اصنعوا هذا لذكري” (لوقا 22: 19)

هذه وصية مذهلة “تذكروا“! إننا نميل لنسيان صلاح الله ولطفه نحونا، لذا أعطانا بلطف فريضة العشاء الرباني لكي نتوقف ونتمهّل ونتذكر ما فعله من أجلنا. إننا لا نتذكر دم الخراف والمعيز الذي انسفك من أجلنا كما فعل شعب الله في قديم الزمان لكننا نتذكر دم المسيح الثمين. نتذكر أن هذه التضحية العظيمة التي قدمها المسيح وقعت فعلاً في هذا الزمان وفي مكان معين. إنها ليست خرافة أو قصة محبوكة بذكاء، بل هي حَدَث وقع فعلاً، وسُفِك دم المسيح فعلاً ومات على الصليب من أجلك. ليس علينا أن نتذكر أن المسيح مات من أجلنا فقط بل لماذا مات من أجلنا، فنحن خطاة ساقطون وبحاجة لغفران الله ورحمته. وما لا نقدر أن نفعله فعله الله من خلال إرسال المسيح ليأخذ مكاننا ويحمل عارنا.

الحاضر “عنكم” (لوقا 22: 20) 

عندما نتناول الخبز والكأس نتأكد أن وعود الله حقيقية تماماً مثل العناصر الملموسة التي بين أيدينا وفي أفواهنا. الخبز والكأس يرمزان لكل الوعود التي أعطاها الله في الإنجيل. عندما نتناول الخبز والكأس نتذكر اننا خُطاة وقاصرين عن تحقيق معايير الله الكاملة في كل يوم، لكن جسد المسيح انسحق من أجلي وانسفك دمه من أجلي. كل ما فعله المسيح فقد فعله من أجلي. عندما نتناول العشاء الرباني نتذكر أن ما فعله المسيح على الصليب منذ ألفي عام لا يزال مؤثراً وفعالاً اليوم ولا زال القوة التي تخلصني. بطريقة روحية، يتناول المسيح نفسه العشاء الرباني معنا ويرعى نفوسنا أثناء تناولنا للعناصر ونتذكر ما فعله من أجلنا وما زال يفعله من أجلنا حتى اليوم. الوحيدون القادرون على المشاركة في العشاء الرباني هم أولئك القادرون على قول: “من أجلي! مات المسيح من أجلي! إنه مخلصي”.

المستقبل “مَن يأكلني فهو يحيا بي” (يوحنا 6: 57)

عناصر العشاء الرباني هي ضمانتي بأن الله لا يزال يحبني ولا يزال حاضراً من أجلي وأنه لن يتخلى عني أبداً ما دمت حياً. الخبز والكأس يرمزان إلى عهد الله الأزلي معي وغير القابل للانتهاك، بأن يكون إلهي ومخلصي ويفتح لي الطريق إلى السماء. كلما تناولنا العشاء الرباني نتذكر أننا في يوم ما سنكون مع الله في السماء وهناك سنحتفل ونشترك معه ومع كل المؤمنين من كل الأزمان ومع المسيح. في الخبز والكأس يوجد الوعد بالحياة الأبدية في السماء بفرح لا ينتهي في محضر الله.

إن كنت تريد أن تتعلم المزيد اتصل بنا وسنساعدك لكي تنمو في إيمانك في يسوع المسيح 

“وَخَاطَبَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً فَقَالَ: «أَنَا نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَتَخَبَّطُ فِي الظَّلامِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ».”

إنجيل يوحنا 12:8